وقال ابن عصفور : (يقال : كتب غرّة كذا ، إذا مضى يوم أو يومان أو ثلاثة) (١).
وتبعه أبو حيّان. والظاهر أن اشتراط المضيّ سهو) ، انتهى.
قلت : لا منافاة بين كلامي الجوهريّ ، فإنّه لا ريب في إرادته الأوّليّة العرفيّة ، ومع هذا فلا بعد في إطلاق الغرّة في الشهر بخصوصه على ثلاثة من أوّله عرفاً ولغة ، فلا تنافيَ.
وأيضاً ، فليس كلام ابن مالك يقتضي اختصاص الغرّة بأوّل ليلة منه ؛ لأنه مع صدق الغرّة على أوّل ليلة لا ريب في أنه يجوز أن يكتب لغرّته لصدقه عليها قطعاً. غايته أنه بذلك لا يكون نصّاً في الأُولى ، وهذا لا يدلّ على اختصاص غرّة الشهر بأوّل ليلة منه. وأما كلام ابن عصفور فهو تجوّز قطعاً ، ولم يرد اشتراط المضيّ حقيقة. فلا مخالفة بينه وبين غيره بوجه.
ثمّ قال الدماميني بعد قول ابن مالك : (أو مهلة أو مستهله) ـ : (بفتح الهاء منهما على صيغة اسم المفعول ، فالأوّل من قولهم : أُهل الهلال ، ببناء الفعل للمفعول ، والثاني من قولهم : استُهل الهلال ، ببناء الفعل أيضاً لما لم يسمّ فاعله. فالمراد بقولك : كتب لمهَلّ شهر كذا أو مستهلّه : كتب لوقت إهلال هلال الشهر ، أو استهلاله. وقد أُولع المتأخّرون من البصريّين بالتلفّظ بالمستهِلّ بكسر الهاء.
فإن قلت : فهل له من وجه؟
قلت : يمكن أن يجعل المستهِلّ اسم فاعل من قولهم : استهل الهلال بمعنى تبيّن ذكره (٢) ، فيكون المراد بالمستهِل بكسر الهاء ـ : الهلال المتبيّن ، ويصير قولهم : كتب لمستهِلّ شهر كذا ، بمشابهة قولك : كتب لهلال كذا ، أي لوقت هلاله على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والمراد بوقت الهلال : وقت ظهوره. وهذا غاية ما يظهر فيه).
__________________
(١) شرح جمل الزجّاج ٢ : ٨٠.
(٢) لسان العرب ١٥ : ١٢١ هلّ ، مجمع البحرين ٥ : ٥٠٠ هلّ.