وبالجملة اتّفاق المتعارضين على الجنس مع فرض اختلافهما في الفصل غير معقول ، لكون كلّ نافيا للجنس المتفصّل بما ينفيه من مدلول الآخر من الفصل.
والجواب عن ذلك أوّلا على سبيل الإجمال وهو : أنّ إنكار تناول أدلّة الحجّية للمتعارضين سدّ لباب التكلّم والبحث في باب تعارض الدليلين بجميع أنحائه ، لوضوح أنّ دليليّة الدليل الغير العلمي منوطة بالحجّيّة ، فما ليس بحجّة ليس بدليل ، ومعه لا يعقل التعارض ، وعليه فتعارض الدليلين عنوان لا خارج له أصلا وموضوع لا مصداق له أبدا وهو كما ترى ، على أنّ الكلام في مقام التعادل ليس للإشكال في مقتضي الحجّيّة حتّى يمنع وجوده إلاّ في القدر المتيقّن ، بل للإشكال في علاج منع المانع من العمل بكلا المتعارضين وهو التعارض ، وهذا لا يستقيم إلاّ بعد الفراغ عن إحراز الحجّية الذاتيّة فيهما معا ، ولا يتمّ إلاّ بعد نهوض الأدلّة بها فيهما وتناولها لهما سواء كانت لبّيّة أو لفظيّة ، ومعه فجعل الأصل فيهما مع التعادل التساقط استنادا إلى منع تناول دليل الحجّية لهما كما ترى.
وثانيا : بمنع عدم تناول أدلّة الحجّية للمتعارضين ، بدعوى تناولها لمحلّ التعارض وإن كان على وجه التعادل ، سواء فرضناه لبّيّا ـ كالإجماع على فرض تحقّقه في الأدلّة الغير العلميّة ، بناء على عدم قدح ما عليه السيّد المرتضى وأضرابه من القدماء من القول بعدم حجّية أخبار الآحاد الغير المحفوف بقرائن العلم في انعقاده ـ أو لفظيّا.
أمّا الأوّل : فلأنّ الاسترابة في تناول الإجماع إن كان لوجود القول بالخلاف وهو القول بالتساقط في عنوان التعادل.
ففيه : أوّلا منع وجود هذا القول بين أصحابنا بل هو لبعض العامّة على ما حكي كما في المفاتيح ، وأشار إليه المصنّف رحمهالله حيث قال : « لا نعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا وعليه أكثر أهل الخلاف ».
وثانيا : منع كون مبنى التساقط على عدم الحجّية الذاتيّة ، وعدم استلزام القول به إنكار الحجّية من أصلها ليستند في ذلك إلى عدم تناول الإجماع لمحلّ التعارض ، بل القول به إنّما هو بعد الفراغ عن الحجّية الذاتيّة ، كما يرشد إليه اختلافهم في عنوان « التعادل » الّذي هو من لواحق التعارض وافتراقهم فرقا ثلاث أحدها : أهل القول بالتساقط ، ولذا استدلّ أهل القول بالتخيير الّذي عليه الأكثر بأنّهما دليلان تعارضا ولا يمكن العمل بهما معا ، ولا بأحدهما بالخصوص دون الآخر ولا إسقاطهما فوجب التخيير ، وعلّل بطلان الأخير