نعم يجوز كونه من قبيل التعيين والتخيير في فردي الكلّي المأمور به ، بتقريب : أنّ الواجب على المقلّد تقليد المجتهد ، وهو أمر كلّي ذو أفراد ، ولذا يحكم العقل بالتخيير عند تعدّد المجتهدين وتساويهما في الفضل والمعرفة ، كما يجوز كونه من قبيل التعيين والتخيير في الطريقين والأمارتين المتعارضتين.
ويشكل الأمر حينئذ من حيث إنّ قضيّة اندراجه في كلّ من القسمين لحوق حكمه به ، فيتردّد بين كون الأصل فيه التخيير لأصالة البراءة النافية لاشتراط الأعلميّة ، أو التعيين لاشتمال قول الأفضل على ما يحتمل كونه مرجّحا في نظر الشارع فيرجع فيه إلى أصل الشغل اليقيني.
ويمكن الذبّ عنه : بأنّه على تقدير اندراجه في فردي الكلّي المأمور به لا يلحق به حكمه ، لما عرفت عند بيان حجج القول باشتراط الأعلميّة من الفرق بين الشكّ في شرطيّة شيء لواجب نفسي يترتّب العقاب على تركه ، والشكّ في شرطيّة شيء لما هو طريق إليه فلا يترتّب العقاب على تركه من حيث هو ، وأصل البراءة النافي لاحتمال الشرطيّة إنّما يجري في الأوّل ، والأعلميّة على تقدير الشرطيّة معتبرة في الطريق إلى امتثال أحكام الله الّذي لا يترتّب على تركه من حيث هو عقاب ولو مع ثبوت الشرطيّة فكيف مع عدم ثبوتها ، بل العقاب إنّما يترتّب على ترك امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال ، فلابدّ من إحراز البراءة فيه تخلّصا عن العقاب المترتّب على تركه ، كما أنّه لا بدّ من تحصيل اليقين بالبراءة عنه دفعا لخوف العقاب عن النفس ، ولا يحصل اليقين إلاّ بمراعاة الأعلميّة في الطريق ، لكون الرجوع إلى الأعلم مبرئا يقينا بخلاف غيره ، وهذا ممّا لا وارد عليه من طرف أصل البراءة ، فالأصل فيما نحن فيه على كلّ تقدير هو التعيين لا غير.
وثانيها : إطلاق الأدلّة اللفظيّة الناهضة بوجوب رجوع العامي الجاهل في الفروع إلى العالم الفقيه من الآيات ، كآيات السؤال ، والنفر ، والكتمان والروايات مثل قوله عليهالسلام في خبر الاحتجاج : « ومن كان من الفقهاء صائنا لدينه ، حافظا لنفسه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ».
وقوله عليهالسلام في التوقيع : « وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم ».
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « علماء امّتي كأنبياء بني إسرائيل ».