بشهادة العامي مع العلم بكونه لا يعلم تحرير العقائد بالأدلّة القاطعة.
الثالث : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحكم بإسلام الأعرابي من غير أن يعرض عليه أدلّة الكلام ، ولا يلزمه بها بل يأمر بتعلّم الامور الشرعيّة اللازمة له كالصلاة وما أشبهها.
أقول : يرد عليه فساد أصل المدّعى مضافا إلى فساد دليله.
أمّا الأوّل : فلأنّه لو أراد من العفو سقوط المؤاخذة على فعل التقليد كما هو ظاهر كلامه ، ففيه : منع محظوريّة التقليد على الوجه المتقدّم ، إذ ليس في الأدلّة العقليّة ولا الشرعيّة ما يقضي بذلك ، خصوصا على ما احتجّ به من كون التقليد ممّا لا يتمّ به المعرفة الواجبة ، وغاية ما استفيد منها بالنسبة إلى التقليد الظنّي إنّما هو المنع الوضعي وهو عدم كونه مبرئ للذمّة ومسقطا للتكليف.
وأمّا ذمّ آيات التحريم فهو ذمّ على مؤدّى الطريق لا على نفسه ، ولو سلّم كونه ذمّا على الطريق أو على المجموع منه ومن الطريق فهو مخصوص بمقلّدة الكفّار ولا يتناول مقلّدة المسلمين.
ولو أراد منه سقوط المؤاخذة على ترك النظر ، ففيه : منع وجوب النظر على الوجه المتقدّم ، بل غاية ما استفيد من أدلّته عقلا ونقلا إنّما هو الوجوب التوصّلي لحصول العلم والمعرفة ، وإذا فرض حصوله من طريق آخر سقط الوجوب عن النظر من دون أن يستحقّ المؤاخذة على تركه ، على أنّ التقليد المفروض إن لم يفد المعرفة فسقوط المؤاخذة معه غير صحيح لبقاء المعرفة الواجبة في الذمّة ، والانصراف عن تحصيلها بالنظر مخالفة للخطاب بها فيعاقب عليها قطعا.
وأمّا الثاني : فلعدم دلالة الوجوه المذكورة على كون من يسمع قول الطائفة والأئمّة ومن يحكم الفقهاء بشهادته والأعرابي الّذي حكم النبيّ بإسلامه مقلّدين في عقائدهم ، لجواز كونهم علموا من حالهم أو إقرارهم ونحوه أنّهم جازمون فيها عن نظر واستدلال ولو بالدليل الإجمالي بناء على كفايته كما هو الأقوى ، كما في قصّة « دولاب » العجوز وحكاية الأعرابي حيث قال : « البعرة تدلّ على البعير ، وأثر الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلاّن على العليم البصير؟ » والأعرابي الآخر حيث أسلم لمجرّد أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أمره بشيء يقول العقل : ليته نهاه وما نهاه عن شيء يقول العقل : ليته أباحه.
ولو سلّم انتفاء الاستدلال فهو لا ينافي علمهم بوجود الجزم التقليدي المفروض كفايته