من كونه واردا في قضيّة « دولاب » حيث استدلّت على وجود الصانع للأشياء المحرّك للأفلاك المدبّر في العالم بآثارها الّتي منها حركة الأفلاك تنظيرا له بدولابه الّذي لا يتحرّك إلاّ به بتحريكها ـ على خلاف مطلوب المستدلّ أدلّ ، بل هو دليل لنا لا علينا ، وعليه فالإلزام بدين العجائز المستفاد من كلمة « عليكم » إرشاد إلى تحصيل المعرفة على الوجه الّذي حصلته العجوز إمّا من حيث كونها على يقين ، أو من حيث طريق تحصيله وهو استدلال الإنّ تنبيها على أنّه الطريق السهل السالم لا طريق اللمّ ، أو من حيث الاكتفاء في الاستدلال بالإجمال تنبيها على عدم لزوم التفصيل.
ومنها : أنّ مسائل الاصول أغمض من مسائل الفروع ، فإذا جاز التقليد في الثاني جاز في الأوّل بطريق الأولويّة.
وفيه : منع الأغمضيّة ، بل الاجتهاد في مسائل الفروع لعدم محصوريّتها وافتقاره إلى صرف معظم العمر في تحصيل مبادئه وتحمل مشاقّ كثيرة لا يتحمّلها عادة إلاّ أقلّ قليل من الناس أغمض بمراتب شتّى ، بخلاف مسائل الاصول ولا سيّما أوائلها الّتي يتمّ النظر فيها في زمان يسير من دون مشقّة إلاّ يسيرا في حقّ بعض الأشياء (١).
ومنها : قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(٢).
وفيه : أنّ الآية على ما يرشد إليه صدرها نزلت في بشريّة الأنبياء ، مع كون المراد من أهل الذكر علماء أهل الكتاب فليس لها كثير تعلّق بما نحن فيه ، إلاّ أن يقال : بأن لا عبرة بخصوص المورد ، لكن يرد عليها : منع الدلالة على خصوص التقليد المتنازع فيه ، بل تعليق الأمر بالسؤال على عدم العلم يقتضي مطلوبيّة تحصيل العلم.
ومنها : أنّا نعلم أنّ قول النبيّ والإمام بل العدل العارف أوقع في النفس ممّا يفيده هذه الأدلّة المدوّنة في علم الكلام ، إذ هي موقوفة على مقدّمات نظريّة يتوقّف إثباتها على دفع شكوك وشبهات لا يتخلّص عنها إلاّ من أيّده الله.
وفيه : أنّ قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عند من ثبت نبوّته وإمامته دليل وكذا قول العدل العارف ، ومع هذا فالاستدلال بطريق الإنّ أتمّ في إفادة الاطمئنان والعلم بل اليقين من دون حاجة إلى سائر الأدلّة المدوّنة في علم الكلام ، مع أنّ جعل قول الغير مطلقا أوقع في النفس من النظر والاستدلال ممّا يشهد الضرورة ببطلانه.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والأنسب « الأشخاص » بدل « الاشياء ».
(٢) النحل : ٤٣.