حكّمه ملك على ناحية وعهد إليه أنّه متى أخبره ثقة بأنّ الملك أمرك بكذا أو نهاك عن كذا فعليك بالطاعة ، وبيّن له المخلص عند تعارض الأخبار ، فهو يترك العمل بما سمعه من الأوامر والنواهي من الثقات معلّلا بجهله بمسائل الاصول ، فاستحقاقه للذمّ حينئذ لا ريب فيه.
ومنها : أنّ هاهنا قوما لا يعملون بهذه الاصول بل يطرحونها خلف « قاف » (١) وليسوا من المتحيّرين.
ومنها : أنّه إذا لم نعرف تغيّر عرفنا من عرف زمان الشارع فلا بأس عليه ، إذ الحجّة الآن أحاديثهم وما كلّفنا بأزيد ممّا نفهمه منها ، وإن علمنا تغيّر العرف فمن أيّ طريق نثبته أمن الكتاب أو السنّة أو الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليهالسلام أم من تلك الاصول الضعيفة؟.
ومنها : أنّه ليس في علم الاصول إلاّ نقل الأقوال المتفرّقة والأدلّة المختلفة فلا أصل له.
ولا يذهب عليك أنّ التأمّل في سياق هذه الكلمات ومساقها يعطي أنّ غرض هؤلاء نفي لزوم المراجعة في أخذ المسائل الاصوليّة المحتاج إليها في معرفة الأحكام إلى الفنّ المعهود المدوّن في كتبه المتداولة على وجه يستلزم التعلّم والاستماع وصرف برهة من العمر حسبما هو متداول بين أربابه على حدّ سائر الفنون قديما وحديثا ، لا نفي الحاجة إلى القدر المحتاج إليه من هذه المسائل بالمرّة ولو حصل استعلامها بغير جهة مراجعة هذا الفنّ ، وإلاّ فكيف يعقل الاستنباط من الكتاب والسنّة ـ المشتملين على الحقائق والمجازات مع القرائن وبدونها والمشتركات مع القرائن وبدونها ، وألفاظ العبادات والمعاملات وغيرها والأوامر والنواهي والمناطيق والمفاهيم والعمومات والمخصّصات والمطلقات والمقيّدات ، مع كون الخبر الواحد من السنّة قد يخالف ظاهر الكتاب ، ومفهوم الموافقة أو المخالفة قد تعارض العامّ كتابا أو سنّة وعامّان كتابيّان أو خبريّان أو مختلفان قد يتعارضان ، وكون اللفظ الوارد فيهما قد يتعارض فيه الأحوال المخالفة للأصل من المجاز والاشتراك والنقل والتخصيص والإضمار والتقييد والنسخ ، وقد يتعارض فيه العرف واللغة أو عرف الراوي والمرويّ عنه إلى غير ذلك من العناوين المأخوذة عند أرباب الفنّ ـ من دون معرفة أحكام الحقائق والمجازات من أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة وأنّ المجاز لا يصار إليه إلاّ
__________________
(١) « قاف » جبل محيط بالدنيا من زبرجد أخضر وإنّما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل. ( تفسير القمي : ٥٩٥ وعنه في البحار ٥٧٠ / ١٢١ ح ٩ ).