فاذا حصل له الظن بأن الداء مهلك والدواء منحصر في الخمر ، وجب عليه استعماله بقدر ما يحصل له به ظن السلامة لا الصحة ، كما في نظائره ، فلو أفرط أو فرط والحال هذه أثم.
ولا يجوز له الامتناع منه الى زمن اشرافه على الموت ، فان التناول حينئذ لا ينفع ولا يدفع ، بل لو انتهى الى تلك الحال لم يحل له التناول ، لانه غير مفيد والغرض من اباحة المحرم حفظ النفس.
وأما تركه الشرب مطلقا بعد حصول ظن التلف بتركه ، فاعانته على النفس وهي حرام منهي عنه بقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١).
وعن سيدنا أبي عبد الله الصادق عليهالسلام : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قال الله تبارك وتعالى ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) (٢).
والقول بأن الصبر عنه لكونه محرما ضرب من الورع ، فلا يكون تركه اثما منظور فيه ، لانه في هذا الحال لا يكون حراما ، بل يكون واجبا ، لان حفظ النفس الموقوف عليه واجب ، فيكون واجبا ، فلا يكون تركه ورعا بل هو كفر.
كما يشعر به ما في نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري عن الصادق عليهالسلام من اضطر الى الميتة والدم ولحم الخنزير ، فلم يأكل شيئا من ذلك فهو كافر. أي : هو كالكافر لانه قاتل نفسه.
وبهذا يندفع قول ابن ادريس بعدم جواز التداوي به مطلقا ، مستدلا عليه بقوله عليهالسلام « ما جعل الله في حرام شفاء » لان كونه حينئذ من المحرمات الممنوع منها ممنوع ، بل هو من المباحات ولا أقل منه ، لما قد عرفت.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٥.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٧١.