عند التحقيق يرجع إمّا إلى إبقاء ما لا يشكّ في عدم بقائه ، أو إلى إبقاء ما لم نحرز حدوثه بعد ، والكلّ كما ترى.
وإن بنينا على المسامحات العرفيّة وجعلنا المقام من مواردها ينبغي القطع بصحّته في الكلّ ، لبناء أهل العرف فيها على القاء الخصوصيّة واعتبار القدر المشترك لا بشرط شيء.
ولا ريب أنّه إذا اعتبر على هذا الوجه من مجرى الاستصحاب مطلقا وإن كانت الأقسام المذكورة متفاوتة في الظهور والخفاء.
ولكن كون جميع الأقسام المذكورة ممّا يتسامح فيه عرفا دون إثباته خرط القتاد ، بل الّذي يساعد عليه النظر منع صحّة الاستصحاب في نحو القسمين الأخيرين لو قدّر من باب استصحاب القدر المشترك ، لخروجه فيهما عن ضابط الاستصحاب بناء على التقدير المذكور.
قال الفاضل التوني ـ ردّا على استصحاب عدم التذكية الّذي تمسّك به الأكثر على نجاسة الجلد المطروح ـ : « إنّ عدم المذبوحيّة لازم لأمرين الحياة والموت حتف الأنف والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه الثاني ـ أعني الموت حتف الأنف ـ فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة ، فعدم المذبوحيّة اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة العارض للموت حتف الأنف ، والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأوّل لا الثاني ، وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني ، ففي الحقيقة خرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ، إذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا معلوم ، وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلاّ مثل من تمسّك على وجود عمرو في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل وفساده غنيّ عن البيان » انتهى (١).
ومن مشايخنا (٢) من استجود ما أفاده من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور ونظائره.
ويمكن تصحيح هذا الاستصحاب ونظائره بجعله من باب استصحاب الحالة الواحدة العدميّة المستمرّة إلى حين الموت القابلة للاستمرار إلى ما بعد الموت ، من دون تعدّد الحالتين لتكونا فردين من القدر المشترك المشكوك في بقائه باعتبار الجزم بارتفاع الفرد الأوّل والشكّ في وجود الفرد الآخر ، إذ ليس هاهنا ما يوجب الفرديّة الملزومة للتعدّد والمغائرة إلاّ مقارنة الحالة المذكورة في الزمان السابق لحياة الحيوان ومقارنتها في الزمان
__________________
(١) الوافية : ٢١٠.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ١٩٧.