النزاع ، للاتّفاق بل الضرورة على اعتبار الاستصحاب فيهما.
قال : « واعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الامّة ، بل أقول : أنّ اعتبارهما من ضروريّات الدين ، إحداهما : أنّ الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن يجيء ما ينسخه.
الثانية : إنّا نستصحب كلّ أمر من الامور الشرعيّة ـ مثل كون الرجل مالك أرض وكونه زوج امرأة ، وكونه عبد رجل ، وكونه على وضوء ، وكون الثوب طاهرا أو نجسا ، وكون الليل أو النهار باقيا ، وكون ذمّة المكلّف مشغولة بصلاة أو طواف ـ إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا لنقض تلك الامور » إلى آخر ما ذكره (١). وظاهر أنّ الجامع للأمثلة المذكورة وغيرها كون الشبهة موضوعيّة.
وقد يقال : أنّه لو لا تمثيله باستصحاب الليل والنهار لاحتمل أن يكون معقد إجماعه الشكّ من حيث المانع حدوثا أو منعا.
أقول : هذا الاحتمال قائم ولو بالنسبة إلى مثال الليل والنهار ، لجواز إطلاق المانع بمعنى الرافع على كلّ من الليل والنهار بالقياس إلى الآخر أو بالقياس إلى الحكم المعلّق عليه ، كوجوب الصيام المعلّق على النهار الّذي يرفعه الليل ، وجواز تناول المفطرات المعلّق على الليل الّذي يرفعه النهار ، فتأمّل.
ثمّ إنّ ما زعمه من اختصاص النزاع بالشبهات الحكميّة وإن كان يساعد عليه عدّهم الاستصحاب من الأدلّة العقليّة ، فإنّ الدليل العقلي حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعيّ من شأنه أن يؤخذ من الشارع ، غير أنّ ظاهر العنوانات وجملة من استدلالات المثبتين والنافين هو عموم النزاع للشبهات الموضوعيّة أيضا ، لا حظ كلام المنكرين حيث ينكرون استصحاب زيد الغائب والبلدان المبنيّة على ساحل البحر ، وكلام المثبتين في استدلالهم بتوقّف نظام معاش الناس ومعادهم على الاستصحاب ، ولا يلزم من اختصاص ثمرة الدليليّة بالأحكام انحصار النزاع فيها.
غاية الأمر كونه بالقياس إلى الأحكام من باب الدليل وبالقياس إلى الموضوعات من باب الأمارة ، كالبيّنة وغيرها من الأمارات الشرعيّة المجعولة لتشخيص الموضوعات
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٤٣.