ج : إنّ للمفسّرين ـ في هذه الآية ـ آراء متعدّدة تعويلاً منهم على الروايات الواردة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام ، ومن أهمّ هذه الآراء رأيان.
١ ـ حين خلق آدم عليهالسلام ظهر أبناؤه على صورة الذرّ إلى آخر نسل له من البشر ، وطبقاً لبعض الروايات ظهر هذا الذرّ أو الذرّات من طينة آدم نفسه ، وكان لهذا الذرّ عقل وشعور كاف للاستماع والخطاب والجواب ، فخاطب الله تعالى الذرّ قائلاً : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ )؟! فأجاب الذرّ جميعاً : ( بَلَى شَهِدْنَا ).
ثمّ عاد هذا الذرّ أو هذه الذرّات جميعاً إلى صلب آدم أو إلى طينته ، ومن هنا فقد سمّي بهذا العالم بعالم الذرّ ، وهذا العهد بعهد ( أَلَسْتَ )؟ فبناء على ذلك ، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفاً هو عهد تشريعي ، ويقوم على أساس الوعي الذاتي بين الله والناس.
٢ ـ إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الاستعداد والكفاءات ، وعهد الفطرة والتكوين والخلق ، فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأُمّهات ، وهم نطف لا تعدو الذرّات الصغار ، وهبهم الله الاستعداد لتقبّل الحقيقة التوحيدية ، وأودع ذلك السرّ الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي ، كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.
فبناء على هذا ، فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد ، وما أخذه الله من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ )؟ كان بلسان التكوين والخلق ، وما أجابوه كان باللسان ذاته!
ومثل هذه التعابير غير قليلة في أحاديثنا اليومية ، إذ نقول مثلاً : لون الوجه يخبر عن سرّه الباطني ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ) (١) ، أو نقول : إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان أنّه لم ينم الليلة الماضية.
____________
١ ـ الفتح : ٢٩.