ولو سلّم عدم ظهورها فيما ذكرناه ، وجب تنزيلها عليه جمعا بينها وبين العقل المستقلّ بعدم قبول القطع الطريقي للتخصيص بين أسبابه ، وعدم جواز منع الشارع من العمل بالقطع لإدائه إلى التناقض الّذي مرجعه هنا إلى لزوم الكذب في كلام الشارع ، أو إلى اجتماع النقيضين في الاعتقاد ، مع العقل المستقلّ بوجوب طاعة الله ورسوله وامنائه ، وامتثال أحكامه المعلومة من غير مدخليّة عند العقل فيه بخصوص تبليغ المعصوم نبيّا أو وليّا ، بل مناطه عنده انكشاف الواقع بأيّ طريق كان حتّى نحو الرمل والجفر أو غيرهما من الأسباب الغير المتعارفة.
وبالتأمّل فيما بيّناه اندفع ما عن السيّد صدر الدين في شرحه للوافية في جملة كلام له في حكم ما يستقلّ به [ العقل ] من قوله ـ بعد كلام طويل له في هذا المقام ـ : « لا يقال : من حصل له الجزم بأنّ شيئا خاصّا من شأنه أن يستحقّ على فعله الثواب وعلى تركه العقاب ، وأنّه مرضيّ ومراد للشارع ، وأنّه أمر به ، ولكنّه منع وصول أمره إلى المأمور مانع ، فلا شكّ أنّه يجوز له أن يتعبّد الله بفعل هذا الشيء ، وأنّه مثاب بفعله ، وأنّه لو عاقبه الله على الترك لا يكون عقابه قبيحا ، فحينئذ يجوز له الإفتاء بأنّ هذا الشيء واجب كما يجوز لنفسه العمل به بقصد أنّه واجب ، فقد ثبت مطلوبنا.
لأنّا نقول : إنّ التعبّد بمثل هذا الشيء محلّ نظر ، لأنّ المعلوم هو أنّه يجب فعل شيء أو لا يجب إذا حصل الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أيّ طريق كان ، وقس عليه حال الفتوى.
ألا ترى أنّا لو رأينا المعصوم عليهالسلام في المنام ـ وقلنا بأنّه هو للأحاديث (١) الدالّة على هذا ـ فأمرنا بشيء أو نهانا عن شيء لم يصل إلينا حكمه في اليقظة لكان جواز العمل والإفتاء به محلّ نظر وتأمّل ، فلا يبعد أن يقال بترتّب العقاب لو فعل أو ترك بقصد التقرّب ، أو أفتى بأحدهما » إلى آخر ما ذكره (٢). »
ومحصّل مرامه رحمهالله : أنّ إطاعة الله تعالى في أوامره ونواهيه وامتثالهما إنّما تجب إذا حصل العلم أو الظنّ بهما من جهة النقل عن المعصوم قولا أو فعلا أو تقريرا ، إلا إذا حصل
__________________
(١) كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من رآني في منامه فقد رآني ، فإنّ الشيطان لم يتمثّل بي » ( بحار الأنوار ٤٩ : ٢٨٣ / ١ ).
(٢) شرح الوافية ( مخطوط ) : ٢١٥.