الثاني : إنكار كونه من عند الله ، وهذا هو تكذيب النبيّ ، ولا كلام لأحد في أنّه يوجب للكفر.
الثالث : إنكار كونه على طبق الحكمة بعد العلم بأنّه أتى به النبيّ ، والعلم بأنّه من عند الله ، وهذا أيضا يوجب الكفر لتضمّنه إنكار حكمته تعالى.
الرابع : إنكار قبوله والانقياد به وأخذه دينا ، ولا إشكال في كونه كفرا أيضا ، ومنه كفر إبليس ، لامتناعه عن قبول وجوب السجود لآدم والانقياد به استكبارا حيث قال : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ )(١) وإن احتمل كونه لأجل إنكار كونه على طبق الحكمة ، ومنه أيضا كفر الخوارج والنواصب خصوصا أوائلهم.
أمّا الأوّل : فلأنّ ممّا جاء به النبيّ من عند الله هو وجوب دخول الناس في إطاعة أمير المؤمنين عليهالسلام والانقياد له ، ولم يقبله الخوارج بخروجهم عليه ومحاربتهم له ، وممّا أتى به أيضا من عند الله هو وجوب موالاة أهل البيت عليهمالسلام ، ولم يقبله النواصب بمعاداتهم وإظهار العداوة لهم.
وتقييد الفتاوى ومعاقد الإجماع بعدم الشبهة واحتمالها احتراز عن القسم الأوّل.
ومرجع القول الأوّل إلى زعم كون إنكار الضروري من قبيل القسم الثاني.
ومرجع القول الثاني إلى زعم كونه من قبيل القسم الرابع ، لا بمعنى أنّه إذا تضمّن تكذيب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يوجب الكفر ، فإنّه ممّا لا سبيل إليه ، بل على معنى أنّه لا يلزم الالتزام بكونه لهذه الجهة ، بل يكون سببا للكفر مع انتفاء هذه الجهة ، وهو الأقوى.
وبالتأمّل فيما قرّرناه : يندفع ما اعترضه بعض مشايخنا على القول الثاني ، بعد ما نقل نسبته إلى ظاهر الأصحاب ، من « أنّه لا وجه حينئذ لما اشتهر من إخراج صورة الشكّ ، فإنّ إنكار اصول الدين كالإلهيّة والرسالة لا فرق في تكفير منكرها بين ما كان الجحد مع العلم أو لشبهة ، وأيضا فإنّ الأخبار الدالّة على بيان الإسلام وتحديده خالية عن اعتبار التصديق بخصوص الضروريّات من حيث إنّها صارت ضروريّة » انتهى (٢).
فإنّ الضروري بالمعنى المبحوث عنه لا يقاس على الإلهيّة والرسالة وغيرهما من اصول العقائد ، الّتي لا فرق في كفر منكرها بين الشبهة وعدمها ، لوضوح الفرق بين
__________________
(١) سورة ص : ٧٦.
(٢) كتاب الطهارة ٢ : ٣٥٥.