عدم قيام غيره
بأدائه وهو مع ذلك واجب مطلق على بعض غير معيّن ، فإذا لم يقم أحد منهم عوقب الكلّ
بالترك لا لأجل تركهم الكفائي بل لتركهم الواجب المشروط مع تحقّق الشرط ، ومع قيام
البعض لا يعاقب الباقون لعدم تحقّق شرط الوجوب.
وإنّما جعلناه
مؤيّدا لإمكان الفرق بينهما بكون الأوّل ناظرا إلى الجمع بين القولين بزعم أنّ
الكفائي في كلّ خطاب يرد على هذين الوجهين ويفيد الخطاب مفاد القولين معا لا هذا
وحده ولا ذاك وحده غير أنّه بالنسبة إلى القول الأوّل مشروط وبالنظر إلى الثاني
مطلق ، والكلّ من قسم الكفائي المغاير للعيني لمكان الفرق بينهما بكون العيني ما
يتعلّق بالكلّ أو بالبعض المعيّن مطلقا أو مشروطا ولا يسقط بفعل البعض فيما إذا
تعلّق بالكلّ والكفائي ما يتعلّق بالكلّ مشروطا وبالبعض الغير المعيّن مطلقا ، والأوّل
يسقط بحصول امتثال الثاني لاستلزام عدم اتّفاق تحقّق شرط الوجوب ، بخلاف الثاني
المحتمل لكونه مصيرا إلى كون مفاد كلّ خطاب كفائي وجوبا كفائيّا مطلقا متعلّقا
بالبعض الغير المعيّن وهو مدلوله المطابقي ووجوبا عينيّا مشروطا متعلّقا بالكلّ
وهو مدلول له بالالتزام.
ولا ريب أنّه
مبنيّ على إناطة الفرق بين العيني والكفائي بمجرّد كون الأوّل متعلّقا بالكلّ أو
بالبعض المعيّن مطلقا كان أو مشروطا ، وكون الثاني متعلّقا بالبعض الغير المعيّن
فيكون راجعا إلى اختيار القول الثاني في الجملة لابتنائه على توهّم هذا الفرق لا
على ما عليه المشهور من أنّ الفرق بينهما في السقوط بالبعض الغير المعيّن وعدمه.
وممّا يشهد به ما
في معراج الوصول في شرح منهاج الاصول من أنّه عند بيان مذهب البيضاوي الّذي هو من
أصحاب القول الثاني جعل الفرق بين النوعين منوطا بما ذكر لا بما عليه المشهور ،
فقال : « انّ الوجوب إمّا أن يكون متناولا لجميع المكلّفين كالصوم والصلاة أو
متناولا للبعض المعيّن كالتهجّد ويسمّى فرض العين ، أو متناولا لبعض غير معيّن
كالجهاد ويسمّى فرض كفاية » إلى آخره.
ثمّ إنّك بالتأمّل
في مطاوي كلماتهم وتضاعيف عباراتهم في تحرير الأقوال المذكورة وتقرير أدلّتها مع
ما ذكروه من النقوض والابرامات والتنظيرات تعرف أنّ الاختلاف بينها معنويّ وليس
النزاع لفظيّا بزعم رجوع تلك الأقوال إلى معنى واحد ، وهو كون الوجوب على الجميع
على وجه يقتضي أداء الواجب بفعل البعض الّذي يعبّر عنه بوجوبه على الكلّ على سبيل البدليّة
الموجب لكون سقوطه عن الباقين من جهة أداء الواجب لا لعروض مسقط له.