القوّة العاقلة بأنّ الحكيم لا يترك الأهمّ بغيره ، وبناء العقلاء على تقديم الأهمّ.
وربّما يتمسّك بقاعدة الاشتغال واستصحابه تحصيلا للبراءة اليقينيّة الموقوفة على الإتيان بالأهمّ وليس في محلّه كما لا يخفى.
فتقرّر بما قرّرنا أنّ الأصل في كلّ واجبين مضيّقين هو التخيير أو الإتيان بالأهمّ ، وهذا أصل كثير النفع عامّ الفائدة لكون مجراه بابا واسعا في الفقه يتفرّع عليه فروع غير محصورة في أبوابه المتفرّقة ، ويعبّر عنه كثيرا بتزاحم الواجبين ، ومن أفراده قيام ما يقضي عند الحاكم وجوب الإفتاء والقضاء معا في آن واحد وكذلك الإفتاءين والقضاءين.
ومنها : إنقاذ الغريق وإطفاء الحريق إذا تعدّدا أو اختلفا.
ومنها : إزالة النجاسة عن المسجد وإنقاذ القرآن من يد الكافر إذا تعدّد كلّ منهما أو اجتمعا معا.
ومنها : ردّ الدين وردّ الوديعة مع تعدّد كلّ منهما أو اجتماعهما معا.
ومنها : صوم نهار رمضان والصوم المنذور إذا عيّن له يوما من السنة وصادف ذلك اليوم من رمضان ، ويمكن أن يقال بخروجه عن محلّ الكلام لكشف المصادفة عن عدم انعقاد النذر من جهة تقيّده بالإمكان ، ولا إمكان مع المصادفة المذكورة.
وهل قضيّة ما ذكرنا من التخيير أو تقديم الأهمّ في المضيّقين سقوط الأمر عن الآخر بالمرّة وفراغ ذمّة المكلّف منه ، أو جواز التراخي في الآخر الموجب لبقاء الأمر المقتضي للامتثال فيما بعد ذلك؟ وجهان من كون المراد بالمضيّق ما هو بمعناه الأخصّ أو الأعمّ ، والتحقيق أنّ الحكم يختلف باختلاف الموارد.
وتفصيل ذلك : أنّ الأمر في كثير من المواضع كان باقيا في غير زمان الفور أيضا كما في مسألة الإفتاء والقضاء ، ومسألتي أداء الدين وردّ الوديعة ، ومسألتي إزالة نجاسة المسجد وإنقاذ القرآن من يد الكافر ونحوها ، فلابدّ من ضابط كلّي يعرف به حكم الموارد الجزئيّة.
فنقول : إنّ الأمرين إمّا مضيّقان بالذات أو بالعارض ، كما لو تضيّق وقت الفريضة بظنّ الموت أو قرب انقضائه ، أو مختلفان.
وعلى التقادير فإمّا موقّتان أو غير موقّتين أو مختلفان.
وعلى جميع التقادير فإمّا أن يعلم ببقاء العلّة الداعية إلى الأمر أو يعلم بعدم بقائها ، أو يشكّ في البقاء والعدم بسبب الجهل بأصل العلّة كما في العبادات الصرفة ، فما كان منهما من