وبنى على هذا في الشافي نقض استدلال المعتزلة لوجوب نصب الإمام على الرعيّة ، بأنّ إقامة الحدود واجبة ، ولا يتمّ إلاّ به *.
__________________
* قيل في بعض الحواشي : « وليعلم أنّ صاحب المغني في الإمامة احتجّ على وجوب نصب الإمام على الرعيّة بما حاصله :
أنّ إقامة الحدود واجبة ، وقد ثبت أنّ ذلك من واجبات الإمام ، وتعيين الإمام إمّا بالنصّ وهو مفقود ، وإمّا بنصب الامّة فهو واجب ، لأنّه ممّا لا يتمّ إقامة الحدود الواجبة إلاّ به ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
ثمّ اعترض على نفسه بما حاصله : أنّه كما يحتمل أن يكون النصب من مقدّمات الوجود فيكون الإقامة واجبة مطلقة ، كذلك يحتمل أن يكون من مقدّمات الوجوب فيكون وجوب الإقامة مقيّدا به فلم يجب الإقامة إلاّ بعد حصول الإمام ونصبه ، كما لم يجب إخراج الزكاة إلاّ بعد حصول النصاب.
فأجاب : بأنّ الأصل أن يكون الواجب مطلقا ، ولم يك وجوبه مشروطا بشيء من مقدّماته ، فإذا أمر به يجب تحصيل ما لابدّ في وجوده منه » انتهى.
وبما ذكر علم محصّل مراد السيّد في نقض الاستدلال مع جوابه ـ وهو الّذي أجاب به كلّ من لا يرى التوقّف في الأمر الدائر بين كونه مطلقا أو مشروطا ـ جيّدا فلا حاجة إلى إعادة الكلام في بيان النقض وجوابه.
وربّما يجاب عن الاستدلال أيضا بمنع المقدّمة الثانية وهو كون إقامة الحدود من واجبات الإمام أوّلا ، إذ لا دليل على انحصار صلاحيّة إقامة الحدود في الإمام وعدم صلاحيّة غيره ، سواء اريد بها خصوص السياسات الشرعيّة أو ما يعمّها وإجراء سائر الأحكام أيضا ، فإنّ التوقّف عليه إن كان عقليّا أو عاديّا فهما لا يقضيان به أصلا ، وإن كان شرعيّا فالدلالة الشرعيّة عليه أيضا مفقود والأصل عدم الاشتراط.
مضافا إلى إطلاق قوله تعالى : ( وأقيموا حدود الله ) (١) الّذي هو دليل وجوب الإقامة ، ولا ينافيه قوله تعالى ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ )(٢) لأنّ كون قيام الغير بإقامة الحدود إن كان أهلا
__________________
(١) لا توجد العبارة في المصحف الشريف ، وهو قدسسره اعتمد على الذهن.
(٢) البقرة : ٢٢٩.