تصدر بلا واسطة إنّما هي الأفراد فهي الّتي تتعلّق بها الأحكام.
والجواب عن الأوّل : منع كون الكلّي وفرده من باب المسبّب وسببه وإلاّ لامتنع الحمل فيما بينهما امتناعه فيما بين السبب والمسبّب ، لتغايرهما ذهنا وخارجا بخلاف الكلّي وفرده ، مع أنّ المسبّب مرتّب في وجوده الخارجي على سببه ولا ترتّب فيما بين الفرد والكلّي بل يتّحدان معا بحسب الخارج ويوجدان بوجود واحد ، وكون الفرد مقدّمة للكلّي وإن كان ممّا يتكرّر ذكره في كلام الاصوليّين ولكنّه يأباه النظر ويكذبه الوجدان ، كيف والمعهود عندهم كون الجزء مقدّمة للكلّ ففرض الكلّ أيضا مقدّمة للجزء ـ كما عليه مبنى كلامهم ـ يؤدّي إلى الدور الصريح.
إلاّ أن يفرّق في ذلك بين الأجزاء العقليّة والأجزاء الخارجيّة ، بدعوى : تخصيص مقدميّة الجزء بما لو كان الكلّ مركّبا خارجيّا ، نظرا إلى الترتّب الطبيعي فيما بين الأجزاء حينئذ بحسب الوجدان الخارجي ، فلا يوجد الكلّ إلاّ مؤخّرا عن إيجاد كلّ جزء منه ، فيكون ذلك حينئذ اعترافا بما قرّرناه من انتفاء السببيّة عمّا بين الكلّي وفرده للزومها الترتّب فيما بين طرفيها بحسب الوجود ، وهو منتف فيما بين الكلّي وفرده لكون تركّب الفرد من الماهيّة والتشخّص عقليّا كما لا يخفى.
فتحقيق القول فيهما : أنّهما من باب المتلازمين في الوجود ، فلا يوجد أحدهما في الخارج إلاّ مع انضمام الآخر إليه ، فهما معلولان لعلّة ثالثة من غير أن يكون بينهما ترتّب بحسب الزمان ولا توقّف بحسب الذات ، فإيجاد الماهيّة يلازم انضمام التشخّصات الناشئة عن خصوصيّة الموجد وزمان الإيجاد ومكانه وغير ذلك من لوازم الوجود إليها ، كما أنّ تحقّق تلك التشخّصات يلازم تحقّق الطبيعة ، ومن المعلوم أنّ الأمر بأحد المتلازمين لا يلازم الأمر بالمتلازم الآخر ولا طلب المجموع من حيث المجموع.
ولو سلّم التوقّف والسببيّة يختار الشقّ الثاني من طرفي الترديد ، ويمنع لزوم التكليف بغير المقدور ، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور كما في الأفعال التوليديّة والقدرة على السبب كافية في القدرة المصحّحة للتكليف بالمسبّب ، والمحذور إنّما يلزم لو كان الأمر بشرط عدم السبب وليس كذلك الأمر في محلّ البحث ونظائره ، لكون الأمر في حال عدم السبب لا بشرط عدمه.
وعن الثاني : منع كون الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات ، على ما سنحقّقه في محلّه إن شاء الله.