مصلحة قد غفل عنها لجهله بها ، وعدم إحاطته بعلل الأشياء وأسبابها ، ثمّ بدا له أن يستأنف العمل على حسب ما ظهر له من صلاح ، وكلّ هذا غير جائز على الله تعالى ؛ ذلك لمطلق إحاطته تعالى بعلل الأشياء وأسبابها ، وشرائط الأُمور وعواقبها.
فلا نقص في إرادته تعالى ولا تبدّل في عزمه ، ولا فراغ عن الأمر بعد خلقه ، ومن نسب إلى الله تعالى إنّه تُبدى له الأُمور بعد جهله بها فهو كافر ، فالله تعالى محيط بكلّ الأشياء لا يعزب عنه شيء ، ولا يغيب علمها عنه.
وقد تبعت الإمامية في ذلك أئمّتهم الهداة عليهمالسلام ، فعن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : ( إنّ الله لم يبد له من جهل ) (١) ، وقوله عليهالسلام : ( من زعم أنّ الله بدا له في شيء اليوم ، لم يعلمه أمس فأبرؤا منه ) (٢) ، وقوله عليهالسلام : ( من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة ، فهو عندنا كافر بالله العظيم ) (٣).
كما إن الإمامية تعتقد أنّ الأشياء تتحقّق بشروطها وأسبابها ، ويتّفق في ذلك معهم كافّة العقلاء ، فإنّ أُموراً تُسْتَحَقّ عند توفّر شرائطها ، كما لو أنّ شخصاً كان من المقدّر أن يعيش ثلاثين عاماً ، إلاّ أنّ الله تعالى جعل شرطاً لطول العمر التصدّق ، أو صلة الرحم ، أو فعل الخير ، فلما تصدّق هذا الشخص ، أو وصل رحمه ، أو فعل خيراً ، فإنّ الله تعالى جازاه على ذلك ، فزاد في عمره ثلاث سنوات مثلاً ، فصار ثلاث وثلاثين سنة ، وخلاف ذلك أي لو قطع الإنسان رحمه ، أو فعل الظلم والبغي ، عاقبه الله تعالى ، وأنقص من عمره ثلاث سنوات ، فصار عمره سبعاً وعشرين عاماً ، هذا بحسب التقدير الظاهريّ ، وإن كان الله تعالى في علمه في اللوح المحفوظ ، يعلم أنّ الإنسان كم يعيش في
____________
١ ـ الكافي ١ / ١٤٨.
٢ ـ الاعتقادات للشيخ المفيد : ٤١.
٣ ـ نفس المصدر السابق.