فالواجب على كلّ عاقل أن يؤدّب نفسه
بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، فكما أنّ تمام الشجرة بالثمرة ، فتمام السعادة
بمكارم الأخلاق ومحاسنها.
ومعلوم أنّ تهذيب الأخلاق ورعاية الآداب
علم شريف ، بل يعدّ من أشرف العلوم لا سيّما لأهل العلم ، فإنّ العلماء قادة وسادة
، والناس على دين ملوكهم ، فإذا كان القائد صالحاً ، فإنّ الرعيّة يلزمها الصلاح
والفلاح والنجاح ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ، فأولى الناس بالآداب والأخلاق
طلاّب العلوم ، لا سيّما طلبة العلوم الدينية.
قال بعض البلغاء في الاهتمام بما هو
الأهمّ من إصلاح أمر النفس على تقديم البدن وتقديم طبّها وعلاجها عليه : بأنّ
الإنسان إذا كان قد علم أنّه مركّب من شيئين : أحدهما أشرف وهو النفس ، والآخر
أدنى وهو الجسم ، فاتّخذ للدنيء منها أطبّاء يعالجونه من أمراضه التي تعروه ،
ويواظبون عليه بأقواته التي تغذوه ، ويتعاهدونه بأدويته التي تنقّيه ، وترك أن
يفعل بالشيء الشريف مثل ذلك ، فقد أساء الاختيار عن بيّنة ، وأتى بالغلط عن بصيرة
، وأطبّاء هذه النفس هم الأفاضل العلماء ، وأقواتها الغاذية هي الآداب المأخوذة
عنهم ، وأدويتهم المنقّية هي النواهي والمواعظ المسموعة منهم.
ومن الواضح أنّ من يدّعي علم الأشياء
ومعرفتها ، وهو لا يعرف نفسه ولم يهذّبها ، فمثله مثل من يطعم الناس وهو جائع ،
ويداويهم وهو عليل ، ويهديهم طريقاً وهو لا يدري طريقه ، فلا بدّ أن يبدأ الإنسان
بنفسه يكون إماماً لها ثمّ ينصب نفسه إماماً لغيره.
الله الله في كسب الآداب ، فما أروع ما
يقوله أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في الديوان المنسوب إليه :