أما الكلام في حكمها التكليفي (١) :
فهو أن التقية تنقسم إلى الاحكام الخمسة :
فالواجب منها : ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا ، وأمثلته كثيرة.
والمستحب : ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر : بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر ، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم ، فإنه ينجر غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.
والمباح : ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع ، كالتقية في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الاصحاب ، ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين صلوات الله عليه (٢).
والمكروه : ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله ، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر ، وأن الاولى تركها ممن يقتدي به الناس ، إعلاء لكلمة الاسلام ، والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل.
والمحرم منه : ما كان في الدماء.
وذكر الشهيد قدس سره (٣) في قواعده :
__________________
١ ـ هذا هو المقام الاول.
٢ ـ وهو الخبر الذي رواه ثقة الاسلام الكليني رحمه الله بسنده عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : رجلان من أهل الكوفة اخذا ، فقيل لهما : ابرئا من أمير المؤمنين ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلي سبيل الذي بريء وقتل الآخر ، فقال : « أما الذي بريء فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة » الكافي ٢ / ١٧٥ حديث ٢١.
٣ ـ هو : الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، ويعرف بالشهيد على الاطلاق أو الشهيد الاول ، عالم نحرير ، فضله أشهر من أن يذكر ونبله أعظم من أن ينكر ، له عدة مؤلفات قيمة ، منها : القواعد والفوائد ، وهو مختصر مشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية يستنبط منها الاحكام الشرعية ، استشهد مظلوما سنة ٧٨٦.
لؤلؤة البحرين : ١٤٣ ، الذريعة ١٧ / ١٩٣.