كان النظر فيه إلى أنّ الوضع لما هو معلوم بالذات من مقتضى حكمة الواضع ، والوضع لغيره خروج عنها ، فهو راجع إلى ترجيح اللغة بالعقل.
وإن كان النظر فيه إلى أنّ الوضع له أقرب وأدخل بحكمة الوضع وهو التفهيم والتفهّم ، من حيث إنّ غير المعلوم بالذات ربّما يغافل عنه فلم يحصل التفهيم والتفهّم ، ففيه : أنّ الأقرب بحكمة الوضع ما عليه مدار الأحكام المتعلّقة بمعاني الألفاظ ، على حسب حوائج أهل المحاورة ومقاصدهم ، وليس إلاّ ذو الصورة.
وإن كان النظر فيه إلى أنّ الوضع مسبوق بتصوّر الموضوع له ، وتصوّر ما هو معلوم بالذات قد حصل للواضع لا محالة ، وتصوّر غيره لكونه ممّا يغافل عنه غير معلوم الحصول ، فينفى احتماله بالأصل ولا يعقل ذلك في تصوّر المعلوم بالذات ، فتعيّن التزام الوضع له ، لأنّه فيما لم يتصوّر غير معقول.
ففيه : مع عدم استقامته على تقدير توقيفيّة اللغات ، أنّ مراعاة حكمة الوضع في نظر الواضع ممّا يدعوه إلى مراعاة ما هو أقرب بها ، وإن فرضناه غير معلوم بالذات والظاهر أنّ النظر في البناء المذكور ليس إلى شيء من هذه الوجوه ، مع أنّه لو صحّ هذا لوجب على أصحاب القولين هنا تعليل ما اختاره بما رجّحه ثمّة من المعلوميّة بالذات ، فالعدول عنه إلى ما يأتي من الأدلّة بيّنة واضحة على انتفاء الملازمة بين كون شيء معلوما بالذات وكونه موضوعا له في نظر أصحاب القولين هاهنا ، بل الاستناد لإثبات الوضع للامور الخارجيّة إلى تعلّق الأحكام بها كالاستناد لإثباته للصور الذهنيّة إلى دوران التسمية وجودا وعدما معها ، دليل على أنّهما العلّة الكاشفة في نظر الفريقين عن مورد الوضع وإن فرضناه غير معلوم بالذات ، مع أنّ بناء المسألة اللغويّة على المسألة العقليّة مع وضوح انتفاء التلازم بينهما كما ترى.
نعم لو ثبت اتّفاق الفريقين على كون الألفاظ موضوعة لما هو معلوم بالذات ثمّ افترقا لتعيينه في المسألة العقليّة كان له وجه ، غير أنّه مع عدم مساعدة أدلّة المسالّتي ن عليه محلّ منع ، ولذا قيل في الاعتراض عليه بأنّ تلك المقدّمة ليست