فتباعدوا عنه ، ولا تأخذوا دينكم منه ألا وإنّي رأيتُ قوماً ينسبون أنفسهم إلى الأخباريّة ، وآخرين ينتسبون إلى الأصوليّة ، وكلٌّ من الفريقين .. (١) ؛ لأنّهم محسوبون من عداد الجهّال لا العلماء ، وأمّا العلماء من الأُصوليّين والأخباريّين فإنّي استشفعُ بهم إلى الله في قضاء مقاصد الدنيا والدين ، وأستسقي بهم الغمام عند غور الأنهار وقلّة الأمطار ، والسلام ) انتهى.
وهو في الإنصاف ليس له منتهى ، وعلى هذا المعنى يحمل كلامه في ( كشف الغطاء ) ، حيث قال في شرائط الوقف ـ : ( ومنها : ألّا يترتّب عليه تقوية أهل الباطل في أُصول أو فروع مع العذر وبدونه ، فلا يصحّ الوقف على الزناة والفواحش والسرّاق والمحاربين مع ملاحظة الوصف ، ولا الكفار والمخالفين والأخباريّين القاهرين (٢) والمعاندين للمجتهدين ) (٣) .. إلى آخر كلامه ، زيد في إكرامه. إلا تراه كيف قيّد المنع بتلك الأوصاف المنافية للعدالة عند الإنصاف.
ويرشد لهذا التقييد ما ذكره في صدر رسالته التي سمّاها ( الحقّ المبين ) ، حيث قال بعد ذكره انقسام الإماميّة إلى مجتهدين وأخباريّة ما هذا لفظه : ( وبعد النظر في البين يظهر [ الرجوع (٤) ] لكلّ منهما إلى أحد الثقلين ، فإنّ المجتهدين إنْ لم يرجعوا إلى الأخبار ولم يعوّلوا على ما رُوي عن النبيّ والأئمّة الأطهار مرقوا عن الدين ولم يوافقوا شريعة سيّد المرسلين. والأخباريّة إنْ لم يجتهدوا في المقدّمات التي يتوقّف عليها فهم الأخبار والروايات خرجوا عن طريقة الإماميّة ولم يسلكوا مسلك الفرقة المحقّة الجعفريّة.
فمرجع الطرفين إلى ما روي عن مساواة الثقلين ، فالمجتهد إخباريّ عند التحقيق ، والأخباريّ مجتهد بعد النظر الدقيق ، ففضلاء الطرفين بلطف الله ناجون ، الواصلون إلى الحقّ منهم والقاصرون ، والجهّال المقصّرون والطاعنون على المجتهدين
__________________
(١) هنا بياض في أصل النسخة ، ولعله أنّه : لا يُعبأ بهم ، أو لا عبرة بهم ، أو ما أشبه ذلك. ( منه وفقه الله تعالى ).
(٢) في المصدر : ( القاصرين ) ، بدل ( القاهرين ).
(٣) كشف الغطاء : ٣٦٩.
(٤) في المخطوط : ( ألّا رجوع ) ، وما أثبتناه من المصدر.