تكلّم غير أهلها فيها ، وجولان مَنْ ليس له نصيبٌ منها في فيافيها ، وفي المثل السائر : استعينوا على كلّ صناعة بأهلها ) (١). انتهى كلامه ، علت في الفردوس أقدامه.
وإذ تحقّق وجه الاختلاف ، فإنّ الذي يقتضيه الإنصاف أنّه إن كان اختلاف فتاوى هؤلاء الأشراف ناشئاً من اختلاف أخبار أهل الأعراف لم تتناقض تلك الفتاوى حتى يكون الحقّ في واحد ؛ لأنّ كلّاً منهم يقول : هذه الفتوى ثبت ورودها عنهم عليهمالسلام ، وكلّ ما هو كذلك يجوز لنا العمل به إلى ظهور القائم عليهالسلام ، وإنْ كان ورود شيء منها واقعاً من التقيّة فكلّ منها حقّ ، إحداها عند الاختيار والأُخرى عند التقيّة والاضطرار ؛ لأنّ اليقين المعتبر عندنا على قسمين : يقينٌ متعلّقٌ بأنّ هذا حكم الله في الواقع ، ويقين متعلّقٌ بأنّ هذا ما ورد عن المعصوم ، وما هو كذلك فالعمل به واجبٌ وإنْ لم يحصل لنا منه ظنٌّ بما هو حكم الله في الواقع ، والمقدّمة الثانية متواترةٌ معنىً عنهم عليهمالسلام.
والمعتبر في اليقين في البابين ما يشمل العادي ، فلا يتعيّن تحصيل ما هو أقوى منه من أفراد اليقين ، وقد ورد الأمر منهم عليهمالسلام بالعمل بأخبارهم وإنْ كانت تقيّة ، فروى الثقة في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « لا يسع الناس حتى يسألوا ، أو يتفقّهوا ، ويعرفوا إمامهم ، ويسعهم أنْ يأخذوا بما يقول وإنْ كان تقيّة » (٢).
وممّا يدلّ على حقيّة العمل بأخبار التقيّة وعدم منافاتها الحقّ ما رواه الكشّي عن عُبَيْد بن زرارة في حديث طويل ، قال فيه بعد كلام طويل :
« فلا يضيقنّ صدرك من الذي أمرك به أبي وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الّذي أمرناك به ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلّا بأمرٍ وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكلّ ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحقّ ، ولو اذن لنا لعلمتم أنّ الحقّ في الذي أمرناكم » (٣). وسيأتي له في المسألة الأخيرة زيادة بيان وإيضاح ، والله العالم.
لكن ينشأ هنا إشكالٌ من ورود تركِ ما وافق القوم ، فيحتاج إلى الجمع بين ما دلّ
__________________
(١) رسائل إخوان الصفاء ٣ : ٤٣٨.
(٢) الكافي ١ : ٤٠ / ٤ ، الوسائل ٢٧ : ١١٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٣.
(٣) رجال الكشي ١ : ٣٥٠ / ٢٢١.