وأمّا الملفوفة فهي كناية عن حرمان معظم الثواب ، بحيث يضمحلّ ما يحصل في جانب الفائت وينزل منزلة العدم ، لكثرة الفائت وجلالته ، لا لعدم الحاصل ، جمعا بين ذلك وبين ما دلّ على التلازم من الدلائل العقلية المقرّرة في الكلام ، الدالّة على أنّ امتثال التكليف لا بدّ أن يستتبع الثواب ، لئلّا يكون عبثا ، مع الإجماع على أنّ الإقبال بالقلب على العبادة لا تتوقّف صحّتها عليه.
وحديث الرفع (١) أقرب إلى التأويل من حديث القبول (٢) ، لجواز كونه كناية عن اعتبار العبادة في نظر الشارع ونظر الله تعالى إليها ورفعه لشأنها وإن حصل بها أصل الثواب بدونه.
ومن الجائز كون القبول والرفع موجبين للتفضّل بأجر زائد على ما يستحقّ من الثواب الحاصل من الإجزاء ، وكون الملفوفة كناية عمّا لا تفضّل بسببها أصلا.
وأمّا سؤال إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام ، فقد وقع بما هو واقع ومتحقّق ، وهو قولهما ( رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) (٣) مع أنّهما كانا مسلمين ، وسؤال الواقع واقع انقطاعا وتعبّدا.
ويجوز أن يريد بالمطلوب من القبول والإسلام الفرد الكامل منهما ، وإطلاق أصل الحقيقة على الفرد الأكمل منها واقع أيضا ، وهو أولى وألصق بمقام الدعاء ، ومثله القول في قبول عمل المتّقين.
وأجيب (٤) عنه أيضا بأنّ المراد بهم المؤمنون ، كما نبّه عليه تعالى بقوله ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (٥) وبأنّ المراد : المتّقين في نفس ذلك العمل ، بحيث لا يقع في معصية ، وهو بصورة العبادة ، كالمتصدّق بما سرق زاعما أنّ الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، فيفضل له تسعة أمثال.
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (١).
(٢) تقدم في الصفحة : ١٦ ، الهامش (٢).
(٣) « البقرة » ٢ : ١٢٨.
(٤) « تفسير القرطبي » ٢ : ١٢٦.
(٥) « الفتح » ٤٨ : ٢٦.