أتقى النّاس ممّا ترمونهم به فى روايات (١) كثيرة تروونها على أبى بكر وعمر وعثمان من (٢) أشنع ما يكون من الرّواية عن قوم تزكّونهم وتأخذون الحديث عنهم لو كتبناها كلّها لاحتجنا الى أجلاد (٣) كثيرة وفيما كتبنا وبيّنا بلاغ لقوم يعقلون.
ثمّ إقراركم على الصّحابة أنّهم اختلفوا ؛ فان زعمتم أنّهم فى اختلافهم مطيعون ؛ فقد زعمتم أنّ الله نهاهم عن الطّاعة لانّ الله قال : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٤) ، وقال : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٥) ، وان زعمتم أنّهم عاصون فى اختلافهم ؛ فقد وقعتم فيهم وزعمتم أنّ النّبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ أمرنا بالاقتداء بالعصاة ، فهذا ما لا مخرج لكم منه.
فوجدناكم أخذتم عن قوم رددتم أقاويلهم فى بعض وقبلتموها فى بعض وكنتم أنتم المختارين ممّا قالوا ؛ فما استحسنتم أخذتموه وقبلتموه ، وما كرهتم تركتموه ، وطعنتم على من زكّيتموه ، وزكّيتم من طعنتم عليه ، فكنتم أئمّة أنفسكم فيما نقلوا إليكم واتّبعتم فى ذلك ظنّكم وهواكم ، وتركتم شيئا ارتضاه بعضكم ، ورضيتم شيئا كرهه بعضكم ، ولا يخلو ما اختلفتم فيه من أن يكون بعضه سخطا لله أو كلّه ، أو يكون رضى (٦) بعضه وكرها (٧) بعضه فترضون ما يزعم بعضكم أنّ الله كرهه ، وتكرهون ما يزعم بعضكم أنّ الله رضيه فلا حقّا (٨) تعرفون ولا باطلا (٩) تنكرون فكلّكم راض عمّن خالفكم
__________________
(١) غير ح : « فى رواية ».
(٢) ح : « ومن ».
(٣) الاجلاد جمع الجلد كالجلود قال الفيومى فى المصباح المنير : « قال الازهرى : لجلد غشاء جسد الحيوان والجمع جلود وقد يجمع على أجلاد مثل حمل وحمول وأحمال ».
(٤) صدر آية ١٠٣ من سورة آل عمران.
(٥) آية ١٠٥ من سورة آل عمران.
(٦ و ٧) فى بعض النسخ كلاهما بصورة الفعل فيكون المعنى : « رضى الله بعضه وكره بعضه ».
(٨ و ٩) فى النسخ : « فلا حق » « ولا باطل ».