وأنت خبيرٌ
بأنّه إنّما يَرِدُ على الأشاعرة وأمثالهم ممَّنْ يقول بزيادة الصفات الذاتيّة على الذات
الأحديّة ومغايرتها لها ، دون المذهب الحقّ من عينيّتها لتلك الذات العليّة ، كما
هو مذهب الحكماء والمعتزلة والإماميّة ، بمعنى أنَّه يترتّب على تلك الذات ما يترتَّب على ذات
وصفه في سائر المخلوقات.
ألا ترى أنَّ
ذواتنا غير كافية في انكشاف الأشياء لنا ، بل مفتقرة إلى تحصيل صفة العلم الذي
يقوم بنا ، فيثبت الجهل في مرتبة ذاتنا؟! ولكنّه تعالى لا يحتاج في ذلك الانكشاف
إلى صفة تقوم به ، بل الأشياء بأسرها منكشفة إليه وحاضرة لديه بنفس تلك الذات التي
هي جميع الكمالات ، « فسبحان مَنْ دلّ على
ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » .
فذاته تعالى
بهذا الاعتبار حقيقة العلم والاقتدار ، لا بمعنى أنَّ هنا ذاتاً وصفة حقيقيّة ،
وهما متّحدان كذلك ، كما يتخيّل في بوادي الأنظار ، وربّما جنح إليه بعضُ الأشرار
، فإنَّ فساده ممّا ليس عليه غبار ، بل كالشمس في رابعة النهار : « لشهادة
كلِّ صفةٍ بأَنَّها غيرُ الموصوف ، وشهادةِ كلِّ موصوف بأنّه غيرُ الصفة » كما قاله والد الأئمّة الأطهار.
وبسط الكلام في
هذا المقام يفضي إلى الإضجار ، وحينئذ فلا يرد النقض المذكور ؛ لأنّ الحمد على
الصفات الذاتية راجعٌ إلى الآثار المترتّبة على الذات على نفس الذات الأحديّة.
فإذا قيل :
الحمد لله على علمه وقدرته مثلاً فإنَّما يُراد الثناء على الآثار المترتّبة على
الذات والتعلّقات التي هي أُمور نسبيّة إضافيَّة وأحوال اعتباريّة ، ولا ريب أنَّ
تلك الأُمور والآثار اختياريّة لتلك الذات العليّة ؛ لكون تلك التعلُّقات حادثة
متغيِّرة متغايرة بتغير تلك المتعلِّقات ، فيكون الثناء عليها ثناءً على جميل
اختياري إفاضة مالك الخيرات.
__________________