كان اسماً لذلك المفهوم لكان الإله ؛ إمّا أنْ يُراد به المعبود بالحقّ فيلزم استثناء الشيء من نفسه ، أو مطلق المعبود فيلزم الكذب لكثرة المعبودات الباطلة ؛ لأنَّه غير تامّ في إثبات المرام ؛ لأنّ لهم اختيار الشقّ الأول ، ودفع لزوم استثناء الشيء من نفسه بأنَّه يكفي في المفهوم لا استثناء العموم ولو بحسب المفهوم. ولهذا صحّ استثناء كلّي من كلّي آخر إذا كان مفهوم الأوّل أعمّ من مفهوم الثاني ، كما تقول : ( لا ناطق إلّا الإنسان ، ولا صاهل إلّا الفرس ) مع أنّه في قوّة ( لا ناطق إلّا الناطق ، ولا صاهل إلّا الصاهل ) ، ولكن لمّا كان مفهوم الأوّل أعمّ صحّ الاستثناء.
وما قيل من أنَّه لو كان عَلَماً لما أفاد ظاهر قوله تعالى ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) ولا ظاهر قوله تعالى ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ) (٢) معنىً صحيحاً ؛ لأنّه فيهما بمنزلة قولنا : اللهُ اللهُ ؛ لصيرورته حينئذٍ جزئيّاً حقيقيّا وعود الضمير إلى الله تعالى بخلاف الحمل على الوصفيّة.
ومن أنّه لو كان جزئيّاً حقيقيّا لما أُخبر عنه بأحد ؛ للزوم التكرار.
ومن أنّ وضع العَلَم بإزاء ذاتٍ فرعُ تعقّلها ، وذاته تعالى من حيث هي غير معقولة للبشر فلا يتصوّر كونه عَلَماً له.
لا يثبت المدّعى :
أمّا الأوّل ، فلأنّه لمّا اشتهرت تلك الذّات بوصف المعبوديّة بالحقّ وجَمْعِ الكمالات صحّ جعله خبراً باعتبار تضمّنه تلك الصفات ، فيؤول إلى قولنا : الجامع لتلك الأوصاف أحد وهو المعبود بالحقّ مثلاً ، أو المستحقّ للعبادة في السماوات والأرض ؛ لأنّ الأسماء قد يلاحظ فيها معانٍ تصلح لتعلُّق الظروف بها مستفادة من تصوّر مسمّاها ، كما يلاحظ في ( حاتم ) معنى الكريم وفي ( الأسد ) معنى المتجري وفي ( قس ) معنى الفصيح ، ولهذا صحّ تعلّق الجار والمجرور بـ ( أسد ) في قول الشاعر :
__________________
(١) الإخلاص : ١.
(٢) الأنعام : ٣.