نجد في هذا الحديث نكتتين لطيفتين : الأولى : إن اللوح ليس في ساعد الأم ولا في صدرها بل في جبينها . إن الجبهة بالرغم من أنها من الناحية الجسمية لا تزيد على أنها أحد أعضاء البدن ، إلا أن بالإِمكان أن تكون كناية عن الجهاز المعنوي وعن أفكار الدماغ عند الأم ، وعلى هذا فإن مجموعة المقررات التكوينية لجسم الأم وفكرها تكون ممهدة لبناء الطفل .
والنكتة الثانية : ورود كلمة ( البداء ) بالنسبة إلى الأمر الإِلهي ، والملائكة أيضاً يثبتون اللوح بشرط البداء ، وفي هذا دلالة صريحة على أن جميع الصفات الوراثية في رحم الأم ليست مصيراً حتمياً ، فإن هناك عوامل ( قد تكون البيئة والتربية منها ) تغيّر تلك الصفات.
____________________
أُخرى توجب خلاف المصلحة الأولى ، فحينئذ نريد خلاف ما كنا نريده قبلاً ، وهو الذي نقول : بدا لنا أن نفعل كذا ( أي ظهر لنا بعدما كان خفياً عنا كذا ) والبداء : الظهور ، فالبداء ظهور ما كان خفياً من الفعل ( بظهور ما كان خفياً من العلم بالمصلحة ) ثم توسع في الإِستعمال فأطلقنا البداء على ظهور كل فعل كان الظاهر خلافة ، فقال : بدا له أن يفعل كذا ( أي ظهر من فعله ما كان الظاهر منه خلافه ) .
ثم إن وجود كل موجود من الموجودات الخارجية له نسبة إلى مجموع ( علته التامة ) التي يستحيل معها عدم الشيء وعند ذلك يجب وجوده بالضرورة وله نسبة إلى ( مقتضيه ) الذي يحتاج الشيء في صدوره منه إلى ( شرط وعدم مانع ) ، فإذا وجدت الشرائط وعدمت الموانع تمت ( العلة التامة ) ووجب وجود الشيء وإذا لم يوجد الشرط أو وجد مانع لم يؤثر ( المقتضي ) أثره ، وكان التأثير للمانع . . . وحينئذ يصدق البداء . فإن هذا الحادث إذا نسب وجوده إلى مقتضيه الذي كان يظهر بوجوده خلاف هذا الحادث كان موجوداً ظهر من علته خلاف ما كان يظهر منها .
ومن المعلوم أن علم الله تعالى بالموجودات والحوادث مطابق لما هو في الواقع من وجودها ، فله تعالى علم بالأشياء من جهة عللها التامه ، وهو العلم الذي لا بداء فيه أصلاً . وله علم بالأشياء من جهة مقتضياتها وهذه خاضعة لوجود الشرائط وفقد الموانع . وفي هذا النوع يمكن أن يفقد شرط أو يوجد مانع في الأثناء فيظهر خلاف ما كان ظاهراً منه ويحصل فيه ( البداء ) فلا يكون حينئذ قضاءً حتمياً لا يتبدل ، بل هو قابل للتغيير ، ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم : ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ . . . الآية ) راجع تعليقة العلامة الفيلسوف البارع السيد محمد حسين الطباطبائي على الكافي ج ١ ص ١٤٦ .