ونرى أنّ هناك تصريحات واضحة من قبل علماء مدرسة الخلفاء في كون مسألة إمامة القرشي من المسائل الإجماعيّة عند المسلمين ، إلّا ثلَّة قليلة لا يُعبأ بها ، فقد جاء في (فتح الباري) :
|
(وقال عياض : اشتراط كون الإمام قرشيّاً مذهب العلماء كافةً ، وقد عدّوها من مسائل الإجماع ، ولم يُنقل عن أحدٍ من السّلف فيها خلاف ، وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار. قال : ولا إعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين) ١. |
وبعد نقل هذا الإجماع ، وبعد الإقرار به بين جميع المسلمين ، تنبثق مشكلة تلقائية تفرض نفسها في مقابل هذا الإجماع ، تلك هي الحقيقة التأريخية التي أكّدت على أنَّ (عمر بن الخطّاب) حاول أن يستخلف من هو (غير قرشي) من بعده ، وهو (معاذ بن جبل) ، وذلك باتفاق أهل التواريخ والسّيَر ، وقد حاول (العسقلاني) بعد نقل الإجماع المذكور آنفا الدفاع عن هذا الموقف الخارق للإجماع بالقول :
|
(قلت : ويحتاج من نقّل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك ، فقد أخرج أحمد عن عمر بسندٍ رجاله ثقات أنّه قال : (إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حيّ استخلفتُه) ، فذكر الحديث وفيه : (فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل.. الحديث) ، ومعاذ بن جبل أنصاريّ لا نسبة له في قريش ، فيحتمل أن يقال : لعلَّ الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيّاً ، أو تغيّر اجتهاد عمر في ذلك ، والله أعلم) ٢. |
______________________
(١) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج : ١٣ ، ص : ١١٨.
(٢) العسقلاني ، ابن حجر ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج : ١٣ ، ص : ١١٨.