وعلمه ـ اصلح الرواية بما يخرجها عن الغلظة والشدة ، فيخفف السؤال والايراد عليها ، ويحتمل انّ التغيير والتعبير عن « الهجر » بغلبة الوجع من صنع البخاري كما اشرنا اليه في المقدمة ، والله العالم (١) (٢).
وخلاصة الواقعة : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرض وفاته طلب من جماعة من أصحابه الحاضرين في بيته شيئاً يكتب فيه كتاباً لا يضلّ الاَُمّة بعده أبداً ، فقال : عمر وغيره ( رض ) : انّه يهجر ويهذي ، وعندنا كتاب الله وحسبنا ( فلا نحتاج الى كتابه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا تقرّبوا اليه شيئاً يكتب فيه الكتاب ) فاختلف الحاضرون بين مؤيّد لقول صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين مؤيّد لقول عمر ( رضي الله عنه ) ، فتنازعوا بينهم حتّى كثر اللغط بينهم ، فتأثّر النبي الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحال فطردهم من بيته بقوله : « قوموا عني أو دعوني » ثم أمرهم بثلاث لم يذكر ابن عباس أو غيره ثالثها.
إذا تقرّر ذلك فها هنا أُمور :
١ ـ هل كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يكتب الكتاب بيده ليكون الحديث دليلاً على قدرته على الكتابة بعد النبوة بإفاضة من الله سبحانه وتعالى ـ وان كان قبلها لا يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه ـ أو يامر أحداً من الحاضرين بالكتابة؟ فيه وجهان. وربّما يأتي بعض الكلام حوله في المقصد الثاني.
٢ ـ ما هو الموضوع المهم الذي أراد النبي أن يكتبه في تلك الحالة ولا يرى أن يكتفي بالبيان القولي ، فهل كان امراً جديداً لم يبيّنه لاَُمّته الى ذلك اليوم ، او بيّنه لكنّه أراد كتابته في آخر أيام حياته تأكياً وتخليداً له؟
__________________
(١) واما البكاء ، فلا اختلاف فيه ، لامكان ان ابن عباس بكى عند سعيد ولم يبك عند عبيد الله ، وهذا واضح.
(٢) انظر صحيح مسلم ١١ : ٩٠ كتاب الوصية.