توضيح الفرق بين المقامين : ان التسبيب الى القبيح قبيح ، وأما رفع اليد عن عمل يحصل بذلك الرفع ترك القبيح ليس بواجب ، فلو كان الشخص مشتغلا بشغل مباح بالذات وكان تركه سببا لعدم صدور المعصية عن شخص فلا يجب الترك حينئذ ، وأما التسبيب إلى المعصية والإعانة عليها فهو غير جائز.
فالمدعي لما كان رفع يده عن المخاصمة سببا لعدم صدور الحلف الكاذب عن المنكر فهو ليس بواجب عليه ، وأما الصلح على اليمين الفاجرة ومطالبتها بعد الصلح فلما كان تسبيبا إلى المعصية فهو غير جائز.
وانما قلنا ان مرجع إذن المدعي في حلف المنكر الى رفع اليد عن المخاصمة لا الى الرضا باليمين الفاجرة ، لأن يمين المنكر انما شرعت لخلاص المنكر من يد المدعي ، وليس حجة متوجهة من قبل المدعي الى المنكر فيما لم يرفع المدعي يده عن المنكر ، فلا سبيل له الى التخلص الا باليمين ، وهو أمر بيد المنكر لا بيد المدعي ، إذ لا معنى لكون خلاص المنكر بيد المدعي بل للمدعي إبقاء يده على المخاصمة وللمنكر خلاص نفسه من يده ، فاذا لم يكن بينة فلا بد من السؤال عن المدعي واستكشاف حاله من حيث ترك المخاصمة حتى يتخلص المنكر بدون اليمين أو عدم تركها حتى يتخلص المنكر بيمينه.
ومن أجل ذلك كان اذن المدعي في الحلف في معنى عدم رفع يده عن المخاصمة.
ومن هنا قد يقال : بأن المدعي يجب عليه أيضا إظهار عدم الرضا باليمين إذا علم بكذب الحالف في اعتقاده مع الاذن وبدونه ، إذ لا منافاة بين الاذن بالمعنى المذكور وبين عدم الرضا وإظهار الكراهة ، وانما المنافاة بين عدم الرضا والاذن بمعنى الطلب لا بمعنى عدم رفع اليد عن المخاصمة.
ودعوى قبح كل عمل يتوقف على ترك صدور القبيح عن شخص مثل التسبيب لكون كل منهما مصداقا للإعانة. واضحة المنع ، لان ترك العمل المذكور