وكان المترجم إذ ذاك عازما على الرجوع الى « قزوين » ، ولكنه أعرض عن الرجوع وحضر بحث الشيخ فرآه بحرا لا يبلغ قعره ولا ينال دركه ، فعزم على الإقامة بالنجف والاستفادة من درس الشيخ.
بقي مشتغلا في الحوزة العلمية بغاية الجد والاجتهاد في الفقه والأصول ملازما لاستاذه المذكور ومقتبسا من أنواره ومغترفا من بحار علومه ، ومما يؤثر عنه قوله : « ما فاتني بحث من أبحاث الشيخ منذ حضرت بحثه الى يوم تشييعه مع أني كنت مستغنيا عن الحضور قبل وفاته بسبع سنين ».
ولما توفي الشيخ المرتضى انتهى أمر التدريس الى المترجم له ، فكانت حوزته تعد بالمئات ، وأكثرهم من شيوخ العلماء وأفاضل الفقهاء والمجتهدين ، ولم يكن في زمانه أرقى منه تدريسا وأكثر نفعا ، حتى أن أكثر العلماء المشاهير الذين نبغوا بعده في سائر المناطق الشيعية قد تخرجوا عليه وأخذوا عنه ، وكان مجلس درسه محتويا على أصناف العلماء من العرب والعجم من المحققين في الفقه والأصول والمعقول والمنقول وغير ذلك ، لأنه كان وحيد عصره في ابتكار الأفكار الحسنة والتحقيقات المستحسنة وحلاوة التعبير ورشاقة البيان.
هذا ما كان من جهة علمه ، وأما ورعه ونسكه وزهده فهو مما لا يحده القلم ولا يصفه البيان ، فقد كان في غاية الورع والتقوى والزهد عن حطام الدنيا ، وكان سليم الذات صافي النية بسيطا للغاية أعرض عن الرئاسة كل الاعراض ، ولذا لم يقلد ولم تجب اليه الأموال ، وانما كانت المرجعية التقليدية والزعامة الروحية لمعاصره وشريكه في الدرس عند الشيخ الأنصاري ، وهو السيد الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي نزيل سامراء. ولم يرض أن يقلده أحد لكثرة