وثانيها : أنّ المراد منه استمرار النبع حال ملاقاة النجاسة. ذكره المحقّق الشيخ على بعد أن أطال في الشنع على من فسّره بالمعنى الأوّل. واستحسن هذا المعنى جملة ممّن تأخّر عنه. وهو وإن كان خلاف ظاهر اللفظ ، إلّا أنّه في حدّ ذاته مستقيم ؛ إذ متى كان حال ملاقاة النجاسة غير مستمر النبع كان بمنزلة القليل ، ولكن مرجع هذا إلى اعتبار المادّة ، وحينئذ فلا يزيد على اشتراط الجريان ؛ إذ الجاري هو النابع ، والنبع يستلزم المادّة ، إلّا أن يحمل الجاري على المعنى اللغوي.
وقد وجّه بعض المتأخرين هذا التوجيه :
بأنّ عدم الانفعال في القليل الجاري معلّق بوجود المادّة ، فلا بدّ في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة ، وربّما يتخلّف ذلك في بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطريق الترشّح ؛ فإنّ العلم بوجود المادّة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل ؛ لأنّه يترشح آنا فآنا ، فليس له فيما بين الزمانين مادّة. وهذا يقتضي الشك في وجودها عند الملاقاة ، فلا يعلم حصول الشرط ، واللازم من ذلك الحكم بالانفعال بها عملا بعموم ما دلّ على انفعال القليل بسلامته عن معارضة وجوده المادّة ، واشتراط استمرار النبع يخرج مثل هذا.
وثالثها ما ذكره بعض المحدّثين من المتأخّرين حيث فسّر النابع على وجوه :
احدها : أن ينبع الماء حتّى يبلغ حدّا معيّنا ثمّ يقف ولا ينبع ثانيا إلّا بعد إخراج بعض الماء.
وثانيها : لا ينبع إلّا بعد حفر جديد كما هو المشاهد في بعض الأراضي.
وثالثها : ينبع ولا يقف على حدّ ـ كما في العيون ـ قال :
وشمول الأخبار المستفاد منها حكم الجاري للوجه الثاني غير واضح ، فيبقى تحت ما يدلّ على اعتبار الكرّية ، وكأنّ مراد شيخنا الشهيد ما ذكرناه ، وبذلك يندفع عنه ما أورد عليه. انتهى
قوله : والدليل النقلي يعضده.
المراد بالدليل النقلي : عموم ما يدلّ على اشتراط الكرّية في عدم انفعال الماء بالملاقاة