القعود عنه ، وان لم يقلد من هذه حاله النظر بين الناس ، فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر عليهمالسلام وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم ، وحمل حقوق الأموال (١) اليه ، والتمكن من أنفسهم لحدّ ، أو تأديب ، تعيّن عليهم ، ولا يحل لهم الرغبة عنه ، ولا الخروج عن حكمه ، وأهل الباطل محجوجون بوجود من هذه صفته ، ومكلّفون الرجوع اليه ، وان جهلوا حقه ، لتمكّنهم من العلم به ، لكون ذلك حكم الله سبحانه الذي تعبّد بقبوله ، وحظر خلافه ، ولا يحلّ له مع الاختيار وحصول الأمن من مضرة أهل الباطل ، الامتناع من ذلك ، فمن رغب عنه ولم يقبل حكمه من الفريقين ، فعن دين الله رغب ، ولحكمه سبحانه ردّ ، ولرسول الله صلىاللهعليهوآله خالف ، ولحكم الجاهلية ابتغى ، والى الطاغوت تحاكم.
وقد تناصرت الرّوايات عن الصّادقين عليهمالسلام بمعاني ما ذكرناه ، فروى عن أبي عبد الله عليهالسلام انّه قال ، أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق ، فدعاه الى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه ، فأبى الا ان يرافعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عزوجل « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ » (٢) و (٣) وعنه صلوات الله عليه انه قال إياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الى أهل الجور ، ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا ، فتحاكموا اليه (٤).
وروى عن عمر بن حنظلة ، قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فيتحاكمان الى السّلطان ، والى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ فقال من تحاكم الى الطاغوت ، فحكم له ، فإنما يأخذ سحتا ، وان كان حقه ثابتا ، لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله وعزوجل ان
__________________
(١) من هنا سقط من نسخة الأصل.
(٢) سورة النساء ، الآية ٦٠.
(٣) و (٤) الوسائل ، الباب ١ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢ ـ ٥.