وعن جامع المقاصد (١) : أنّ في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة ، وكذا في الهبة ، وذلك إذا أمره بعمل على عوض معين عمله واستحقّ الأجرة ، ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل ولم يستحق أجرة ، مع علمه بالفساد.
وظاهرهم الجواز بذلك وكذا لو وهب بغير عقد فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف ولو كانت هبة فاسدة لم يجز ، بل يمنع عن مطلق التصرف.
وفي المسالك (٢) ، بعد نقل ذلك : لا بأس به ، إلّا أنّ في مثال الهبة نظرا من حيث إنّ الهبة لا يختصّ بلفظ.
أقول : دعوى جواز المعاطاة في جميع العقود عدا ما استثنى مشكلة ، فإنّ صدق التجارة والسيرة المعتبرة ـ وهما العمدة من أدلّة المعاطاة في أكثرها ـ ممنوع ، وعدم القول بالفصل غير معلوم ، بل في المحكيّ عن الجامع (٣) ـ كما رأيت ـ تخصيصها بالإجارة والهبة ، وعموم : « الناس مسلطون » ، لا يفيد أزيد من الإباحة دون الملك واللزوم بالتلف ، فعدم العموم أقرب ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد الدليل ، وهو ما صدق عليه اسم التجارة ، أو علمت فيه السيرة ، أو استحقت المعاطاة اسم المعاملة في العرف واللغة ، مع وجود ما يقتضي صحّة مطلق تلك المعاملة ، كما في معاطاة الهبة ، فإن صحّتها مقتضى الدليلين الأخيرين (٤) ، فيجوز فيها العمل بمقتضى الملك ، كوطء الجارية ، كما في هدايا السلاطين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومنها المارية القبطية ، ونحوها القرض والإجارة على احتمال قويّ ، فيستحق بها الأجرة المسمّاة ،
__________________
(١) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.
(٢) مسالك الأفهام ٣ : ١٥٢.
(٣) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.
(٤) وهما ما علمت فيه السيرة أو استحقّت المعاطاة اسم المعاملة في العرف واللغة.