وثالثها : ما قصد به المعاوضة على وجه مطلق ، من غير قصد البيع أو الإباحة المحضة ، بمعنى عدم الالتفات إليهما لا تفصيلا ولا إجمالا ، والظاهر أنّ حكمه حكم الأوّل ، فيحصل به الإباحة دون الملك ، أمّا على عدم اشتراط الصيغة في الصحّة ، فلحصول الإباحة على الوجهين ، وتوقّف الملك على قصد البيع ، وأمّا على اشتراطها ، فلحصول الإذن المجوّز للتصرف والمنافي له عند المشترط قصد البيع ولم يقع ، وإن لم يقصد عدمه أيضا ، ومن هذا يظهر عدم اشتراط وجود سائر شرائط البيع حينئذ في حصول الإباحة مطلقا.
ورابعها : أن يقصد بها الملك المطلق ، وهو كما قيل لا ريب في فسادها عند من يشترط الصيغة الخاصّة في تلك المعاوضة لإفادة الملك ، لانتفاء الشرط ، فينتفي به المشروط ، فلا يحصل به الإباحة أيضا حسب ما مرّ ، وأمّا عند من لم يشترطها ، ففي صحّته وتنزيله على البيع بناء على أنّه الأصل في نقل الأعيان ، ولا يخرج عنه إلّا بقصد غيره ، كما أنّ الإجارة أصل في نقل المنافع مقدمة على الصلح والجعالة ، كما عن بعضهم ، أو تنزيله على الهبة المعوضة ، كما عن آخر ، أو هو معاوضة ناقلة مستقلة ليست تحت شيء من المعاوضات المعروفة ، كما يظهر عن ثالث. أو إفادته الإباحة دون الملك ، أو فساده مطلقا ، احتمالات ، أظهرها الأخير ، لإمكان المناقشة ؛ في الأوّل : بمنع الأصل وخلوه عن الدليل ، فلا ينزل العام على الخاص إلّا بقصده ، ولذا لا يكتفي في صيغة البيع بمثل ملكتك.
نعم ، لمّا كانت المعاملات العينية المعاطاتية بين الناس يقصد بها البيع غالبا في عاداتهم ، كما أشير إليه إذا قصد بالنقل ما تداولت عليه تلك المعاملات جريا على عادتهم ، وإن لم يلتفت إلى خصوص البيع تفصيلا ، أمكن التنزيل عليه ، وما ذكرناه من الفساد في تلك الصورة إنما هو إذا لم يمكن تطبيق القصد ، ولو جريا على العادة المتداولة في المعاطاة على البيع ، فكان القاصد كالمتردّد بين خصوصيات المعاوضات.