فماذا يا ترىٰ ذلك الأمر الحائز علىٰ تلك الأهميَّة العظمىٰ ؟!
نُرجع فهم هذه الآية إلىٰ وقت نزولها. فآية التبليغ هي من آخر ما نزل من القرآن باتفاق العلماء ، وليس بينها وبين وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم غير ثمانين يوماً أو نحو ذلك.
وقد وردت عند المفسرين روايات متعدّدة وتعطي دلالات مختلفة لهذه الآية ، لكنها للأسف روايات لا تتوفر على دواعي القبول ، ولا تقوم بها حجة ، ليس فقط لكونها عارية عن الأسانيد المعتبرة أو ذات القيمة ، بل أيضاً لأنها لا يمكن أن تنسجم مع تاريخ نزول الآية المتفق عليه ، فهي روايات تفيد ان الآية نزلت لتطمين الرسول من أعدائه ، وأمرته بالانذار وبتبليغ أحكام الإسلام ، وأعلمته أن الله يعصمه من الكافرين ، ولكن هذا كلّه قد حصل قبل نزول الآية بزمن غير قليل ، وعلى امتداد حياته الشريفة (١).
أما الذي ورد مسنداً ، والذي يمكن التعويل عليه لكونه التفسير الوحيد الذي لا يتعارض مع تاريخ نزولها ، فهو قول الكثير من المفسرين وأصحاب الحديث ، إنها نزلت بعد تبليغ جميع الفرائض ، واختصَّت بتبليغ أمر الخلافة بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن رواياتها :
١ ـ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خُمٍّ في عليِّ بن أبي طالب (٢).
__________________
(١) راجع : حجم التناقض والاضطراب في الحكايات والروايات الواردة فيها بشكل مفصل في كتاب منهج في الانتماء المذهبي / صائب عبد الحميد : ١٣٣ ـ ١٤٤ ـ مركز الغدير ـ قم.
(٢) شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ١٨٨ ـ ١٩٣ في عدّة طرق ، تفسير المنار