واتبع غير سبيل المؤمنين .. ومنهم من قال النسخ يكون في الأخبار والأمر والنهي .. [ قال أبو جعفر ] وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأنّ قائلا لو قال قام فلان ثم قال لم يقم ثم قال نسخته لكان كاذبا .. وقد غلط بعض المتأخرين فقال إنما الكذب فيما مضى فأما المستقبل فهو خلف وقال في كتاب الله عز وجل غير ما قال. قال جل ثناؤه ( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال جل ثناؤه ( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (٢) .. وقال آخرون بأنّ الناسخ والمنسوخ الى الامام ينسخ ما شاء .. وهذا القول أعظم لأن النسخ لم يكن الى النبي صلىاللهعليهوسلم الا بالوحي من الله إما بقرآن مثله على قول قوم وإما بوحي من غير القرآن فلما ارتفع هذان بموت النبي صلىاللهعليهوسلم ارتفع النسخ .. وقال قوم لا يكون النسخ في الأخبار الا فيما كان فيه حكم واذا كان فيه حكم جاز فيه النسخ وفي الأمر والنهي .. وقال قوم النسخ في الأمر والنهي خاصة .. وقول سادس عليه أئمة العلماء وهو ان النسخ إنما يكون في المتعبدات لانّ لله عز وجل أن يتعبد خلقه بما شاء الى أي وقت شاء ثم يتعبدهم بغير ذلك فيكون النسخ في الأمر والنهي وما كان في معناهما وهذا يمر بك مشروحا في مواضعه اذا ذكرناه (٣) .. ونذكر اختلاف الناس في نسخ القرآن بالقرآن وفي نسخ القرآن بالقرآن والسنة وفي نسخ السنة بالقرآن .. ونذكر أصل النسخ في كلام العرب لنبني الفروع على الاصول .. ونذكر
__________________
(١) قلت : القول الخامس من هذه الأقوال حكاه هبة الله بن سلامة عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة بن عمار .. قال قالوا ولا يدخل النسخ إلا على الأمر والنهي فقط افعلوا أو لا تفعلوا واحتجوا على ذلك بأشياء منها قولهم ان خبر الله تعالى على ما هو به .. وأما القول الأول فهو شبيه لما حكاه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي .. قال قالا قد يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى جميع الأخبار ولم يفصلا وتابعهما على هذا القول جماعة ولا حجة لهم في ذلك من الدراية وانما يعتمدون على الرواية .. وأما القول السادس فقد حكاه عن الضحاك بن مزاحم .. قال قال الضحاك يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى الاخبار التي معناها الأمر والنهي مثل قوله تعالى ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) ومعنى ذلك لا تنكحوا زانية ولا مشركة وعلى الأخبار التي معناها الأمر مثل قوله تعالى في سورة يوسف عليهالسلام قال ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ) ومعنى ذلك ازرعوا ومثل قوله ( فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها ) يعني الروح ومثل قوله ( وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ ) أي قولوا له يا رسول الله قال واذا كان هذا معنى الخبر كان كالأمر والنهي .. ثم حكى قولا آخر لم يذكره المصنف .. قال وقال آخرون كل جملة استثنى الله تعالى منها بإلا فإن الاستثناء ناسخ لها.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ٢٧
(٣) سورة : الأنعام ، الآية : ٢٨