الحجَّة عام ٣٥هـ، وقال عليهالسلام يصف ذلك الأمر : « وبسطتهم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثُمَّ تداككتم عليَّ تداكَّ الإبل الهيم علىٰ حياضها يوم وردها، حتىٰ انقطعت النعل وسقط الرداء ووُطئ الضعيف.. » (١).
وعن أبي ثور ـ كما جاء في (الإمامة والسياسة) ـ أنَّه قال : «لمَّا كانت البيعة بعد مصرع عثمان خرجت في اثر عليٍّ عليهالسلام والناس حوله يبايعونه، فدخل حائطاً من حيطان بني مازن، فألجأوه إلىٰ نخلة وحالوا بيني وبينه، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراع الإمام، تختلف أيديهم علىٰ يده، ثُمَّ أقبلوا به إلىٰ المسجد الشريف، فكان أوَّل من صعد المنبر في المسجد طلحة وبايعه بيده، وكانت أصابعه شلاء، فتطيَّر منها عليٌّ عليهالسلام وقال : « ما أخلقها أن تنكث »، ثُمَّ بايعه الزبير وأصحاب النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وجميع من في المدينة من المسلمين» (٢).
بهذه اللهفة تمَّت أوَّل بيعة علىٰ صعيد واسع، وصعد الخليفة الأول الحق بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنبر الشريف بقبول الناس ورضاهم، لكنَّ الإمام عليَّاً عليهالسلام لم يكن من أصحاب السلطة.. فلم يقبل بالخلافة إلَّا بعد أن رأىٰ أنْ لا مفرَّ من ذلك، وأنَّ مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن يمدَّ يده لتختلف عليه أيدي الناس المبايعة..
في هذا الجو المشحون بالفتن والحوادث بعد مقتل الخليفة وما خلَّف قتله من آثار ـ سنمرُّ عليها لاحقاً ـ في هذه الأجواء تمَّت البيعة للإمام عليهالسلام
_______________________
١) نهج البلاغة، الخطبة : ٢٢٩.
٢) الإمامة والسياسة١ : ٥٠، وانظر : الكامل في التاريخ٣ : ٨١ ـ احداث سنة ٣٥، البداية والنهاية ٧ : ٢٢٧.