لما تقرّر في الأصول.
واعلم أنّ الشافعيّ وأحمد ومالكا وافقونا في اشتراط النيّة في الطّهارات وإن خالفونا في الكيفيّة وأبو حنيفة خصّ الشّرط بالترابيّة لا غير (١) لقوله تعالى :
__________________
(١) وكذا قال في الوضوء بالنّبيذ وسؤر الحمار والبغل قال : لأنّ طهوريّة النّبيذ والسّؤرين تعبديّة كالصّعيد وقالوا في الوضوء والغسل بالماء المطلق : وجوبها ليس الّا توصّليا إلى الطّهارة الّتي تحصل بمجرّد سيلانه على الأعضاء ، سواء كان عن نيّة أو لم يكن عن نيّة بل ولا عن اختيار ، ولا ادرى من اين علموا انّ غرض الشّارع من الوضوء والغسل ليس إلا الطهارة المحسوسة الّتي توجد بسيلان الماء بمجرّد صبّه ، وقد علم كلّ مسلم ومسلمة ان الوضوء والغسل ، انّما هو لرفع اثر الحدث استباحة لما هو مشروط برفعه ، وهذا غير محسوس ولا مفهوم لو لا التّقيد بالأوامر المقدّسة الصّادرة من لدن حكيم مطلق ، ومجرّد حصول النّظافة والغسل لا يجعلهما توصّليّين ، كما انّ انعاش مستحقّ الزّكاة بأدائها السّهم من الزّكاة لا يخرجها عن العبادة.
ولو كان الغرض من الوضوء والغسل مجرّد الطّهارة المحسوسة لما وجبا على المحدث إذا كان في غاية النّظافة والنقاء ، وهذا خرق لإجماع المسلمين ومخالف لما عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ ». انظر ص ٤٥٢ فيض القدير وقد نصّ السّيوطى بصحّة الحديث في الجامع الصّغير رقم ٩٩٧٩ « ولا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » انظر نيل الأوطار ج ١ ص ٢٢٤ رواه الجماعة إلّا البخاري.
وممّا تفرّد به أبو حنيفة بطلان الوضوء بالقهقهة في الصلاة. ولا ادرى أيّ كثافة ونجاسة ظاهرية تحصل للبدن بالقهقهة يجب رفعها بسيلان الماء المنقّى ظاهرا ، وهل هنا على مبناه وبطلان الوضوء بالقهقهة إلّا الحدث الغير المحسوس الواجب رفعه بالطّهارة التعبّديّة.
واستدلّ ابن العربي في أحكام القرآن ص ٤٤٠ على وجوب النّية بما ملخّصه انّ الوضوء عبادة لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الوضوء شطر الايمان. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الوضوء على الوضوء نور على نور. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا توضّأ العبد خرجت خطاياه وهو استدلال حسن وامّا الاستدلال بآية البيّنة. « وَما أُمِرُوا