الستة (١) ، وأكبر المؤرخين : مثل محمّد بن إسحاق ( م ١٥٠ ه ) أو بعدها والواقدي ( ١٣٠ ـ ٢٠٧ ه ) وابن واضح اليعقوبي ( م ٢٨٤ ه ) وابن سعد كاتب الواقدي ( م ٢٣٠ ه ) والمسعودي ( م ٣٤٦ ه ) والطّبري ( ٢٢٤ ـ ٣١٠ ه ) والبلاذري ( م ٢٧٩ ه ) وابن قتيبة الدّينوري ( م ٢٧٦ ه ) وأبي الفرج الأصفهاني ( م ٣٦٠ ه تقريبا ) (٢) فإنهم قضوا عامة حياتهم أو شطرا منها في بغداد ، وبعضهم مدفون فيها ، كما أنّ بعضا آخر منهم مثل المسعودي ، والبلاذريّ ، واليعقوبي ، والدّينوري قد ولدوا ونشأوا ببغداد.
وأمّا الشّعراء المعروفون أمثال « المتنبّي » فلعلّنا لا نجد ( سوى عدد منهم ) ممن قصد بغداد ، للاتصال ببلاط الخلفاء أو الوزراء وكبار الرّجال من ذوي الأيدي والألسن ، وأولى المال والجاه ، والتقرّب منهم وإنشاد المديح فيهم ، والحصول على صلاتهم ، ورفع الحاجات إليهم ، والعكوف ببابهم أو الانصراف من عندهم مأجورين شاكرين.
وكذلك فإنّ العلوم العقليّة ، والفلسفيّة ، والرياضية ، والطبيّة ، المعبّر عنها ب « علوم الأوائل » أو « العلوم الدخيلة » ، لأوّل مرّة في الإسلام ، وضع حجرها الأساسي ، واستحكمت دعائمها ، في بغداد ، فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف البلاد ، وحشروا في بغداد ، واشتغلوا بترجمة الكتب أو تأليفها في تلك الفنون. وقد ظهرت أوّل مؤسّسة علمية أو مجمع علميّ أو دار الكتب المعروف ب « بيت الحكمة » ببغداد ، في عهد الخليفة هارون الرّشيد ، فكانت محلّا ومرجعا للعلماء والمترجمين (٣). ثم أسّست مدارس
__________________
(١) هذه الكتب تعتبر أصح كتب الحديث عند أهل السّنّة مثل الكتب الأربعة عند الشيعة. وهؤلاء الستة هم ١ ـ أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري ( ١٩٤ ـ ٢٥٦ ه ) ٢ ـ مسلم بن الحجّاج النيشابوري ( ٢٠٤ ـ ٢٦١ ه ) وهما صاحبا الصّحيحين ٣ ـ أبو داود سليمان بن أشعث السجستاني ( ٢٠٢ ـ ٢٧٥ ه ) ٤ ـ أبو عيسى محمد بن عيسى التّرمذي ( ٢٠٩ ـ ٢٧٩ ه ) ٥ ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن على بن شعيب النّسائي ( ٢١٥ ـ ٣٠٣ ه ) ٦ ـ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ( ٢٠٩ ـ ٢٧٣ ه ) المعروف ب ( ابن ماجة ) وهؤلاء الأربعة هم أرباب السنن الأربع المعروفة بأسمائهم.
(٢) قد جاءت تراجم هؤلاء المذكورين في مصادر كثيرة من بينها تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
(٣) قد اختلفوا في عنوان هذا المركز هل انه كان مدرسة ، أو دار الكتب أو معهدا للدراسة والتأليف والترجمة أو محلا لجميع هذه الأمور ، فلاحظ كتاب تاريخ العلوم العقلية في الإسلام ( باللغة الفارسيّة ) للأستاذ الدكتور ذبيح الله صفا ص ٤٨. وقد جاء في كتاب « دليل خارطة بغداد » ص ٢٥٤ أنّ بيت الحكمة وكذلك مكتبة شابور ، ودار العلم للشريف الرّضي ، كلها كانت واقعة على الضفة الغربية من بغداد ولا يعلم بالضّبط متى أسّس بيت الحكمة وربّما يرجح وجوده قبل عصر الرشيد وكانت دائرا قطعا إلى عصر ابن النّديم صاحب الفهرست ، فليلاحظ المصدر المذكور.