وعمّم بعضهم ذلك ، حتّى شمل به القضايا العقلية العقيديّة ، حيث ذهب إلى أنّ الحق ، حتّى في العقائد ، غير متعيّن ، وأنّه يتعدّد ، وهو ما يصل إليه كلّ مجتهد باجتهاده ، فيكون كلّ مجتهد حتّى في العقليات والعقائد مصيباً (١).
لكن رأي أغلب علماء الأُمّة بمختلف مذاهبها ، هو القول بالتخطئة ، ومفاده أنّ لله تعالى أحكاماً معيّنة في كلّ مسألة اجتهادية ، فمن هداه اجتهاده إلى ذلك الحكم فقد أصاب ، وإلّا فهو مخطئ ، وهو معذور ومأجور في الحالين.
وبناء على ذلك ، فإنّه حين تتعدّد آراء المجتهدين في مسألة ما ، فهناك احتمالان لا ثالث لهما :
الاحتمال الأول : أنّ جميع تلك الآراء خاطئة ، لا يعبّر شيء منها عن الحكم الشرعي.
الاحتمال الثاني : أنّ رأياً واحداً فقط من بين تلك الآراء قد أصاب الحكم الشرعي وما عداه فهو خاطئ.
وإذا كان اختلاف الفتاوى وتعدّد الآراء أمراً طبيعياً له مبرّراته وأسبابه ، إلّا أنّه قد يمكن التقليل من ذلك ، وتقريب وجهات النظر ، والاتفاق على قسم لا بأس به من القضايا الدينية ، والمسائل الشرعية ، عندما تسود الأجواء العلمية وأوساط العلماء أخلاقيات وضوابط الاختلاف.
وفي طليعة تلك الأخلاقيات والضوابط ، الموضوعية في البحث ، والتجرّد والإخلاص للحقيقة ، وترك التعصّب.
إنّ من أسوأ الآفات والأمراض التي تضرّ بالدين والعلم ، وتفتك بالعلماء ،
__________________
١ ـ المصدر السابق : ٢٠١.