بالثواب ، مستحقاً للعقاب ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) فالعلم يهيّئ الإنسان للتحليق والارتفاع في سماء القيم ، إن أراد هو ذلك ، أما إذا خانته إرادته ، وسيطرت على نفسه الأهواء والشهوات ، والانشدادات المادية ، فـ ( أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ) فإنّه يتحمّل مسؤولية سقوطه وانحداره.
وماذا يحصل حينئذٍ؟
إنّه التورّط والتوغلّ في حضيض الانحراف والسقوط ، لأنّ غير العالم قد يردعه الوعظ والتوجيه ، أما العالم ، فلمعرفته بالمواعظ والتوجيهات ، يصبح لديه ما يشبه المناعة من تأثيرها ، كما يحدث لبعض الميكروبات في الجسم ، لذلك أمر الله تعالى نبيه أن يقرأ للناس ، ويتلو عليهم ، خبر هذا العالم المنحرف وقصته ، ليكون مثلاً ونموذجاً ، يدفع الناس للتفكير في تعاملهم وتعاطيهم مع رجال الدين (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١).
وحديث القرآن عن انحرافات علماء اليهود والنصارى ، ليس في سياق التشهير بهم فقط ، وإنما ليستفيد المسلمون دروساً وعبراً من أوضاعهم. ولدقّة القرآن وموضوعيته ، فإنّه لم يصدر حكماً عاماً على جميع زعامتهم الدينية ، وإنّما الأكثر منهم ، إنصافاً للقلة الملتزمة المتورّعة منهم.
وقد يكون في الآية الكريمة إشارة إلى ناحية مهمّة وهي أنّ رجال الدين ، كطبقة متفرِّغة للعمل الديني ، تأخذ نفقاتها من الناس والأموال الشرعية ، إزاء قيامهم بواجب الإرشاد والهداية ، والدعوة إلى المبادئ والقيم ، ولكنّهم حينما يقومون بدور معاكس ، بممارساتهم الفاسدة المنحرفة ، فإنّهم لا
__________________
١ ـ الأعراف (٧) : ١٧٦.