أخذه شهادة التدريس ـ أن يطالع مع بعض الطلّاب كتباً منها ( شرح العقائد النسفيّة ) للتفتازاني مع حواشيه ، وسوّغ لنفسه في أثناء ذلك أن يرجّح مذهب المعتزلة في بعض المسائل الكلامية ، على مذهب الأشعرية ، فقامت لذلك ضجّة كبرى في الأزهر ووصل الأمر إلى المرحوم الشيخ عليش الكبير ، وكان رجلاً حديد المزاج ، سريع الغضب ، شديد الغيرة على ما يعتقد ، فهاج وماج ، وأرسل إلى الشيخ محمّد عبده ، وكلّمه في ذلك كلاماً شديداً ، وتعصّب للشيخ عليش في ذلك طلّاب من الأزهر وعلماء حتّى كان الشيخ عبده يضطرّ إلى اصطحاب عصا معه وهو يقرأ الدرس خوفاً على نفسه من اعتداء ذوي العصبية (١).
ويشير العلّامة الشيخ محمّد جواد مغنية إلى هذه الملاحظة الهامّة في مقالة نشرتها مجلة ( رسالة الإسلام ) المصرية عدد تشرين١٩٢٥ م بقوله ( إن الشريعة الإسلامية لم تستخرج من الوهم والخيال بل لها أصول مقررة لا يختلف عليها مسلمان ، مهما كان مذهبهما ، وإنّما الخلاف والجدال بين المذاهب حصل فيما يتفرّع عن تلك الأصول ، وما يستخرج منها ، فالعلاقة بين أقوال المذاهب الإسلامية هي العلاقة ين الفرعين المنبثقين عن أصل واحد.
ونحن إذا أردنا معرفة أنّ هذا المذهب على حق في أسلوبه واستخراج الحكم من مصدره دون سائر المذاهب ، فعلينا أن نلاحظ جميع الأقوال المتضاربة حول الحكم ، وندرسها بطريقة حيادية ، بصرف النظر عن كلّ قائل وعن منزلته العلمية والدينية ، ثمّ نحكم بما يؤدّي إليه الأصل والمنطق على
__________________
١ ـ مجلة رسالة الإسلام العدد٤ السنة ٢ ، ص٣٥٧.