بعد تخطّي هذا الطرح السلبي لمبدأ ـ
تعجيل الفرج ـ والكشف عن المغالطات التي تنخره من الداخل لنحاول الآن تأسيس أو على
الأقلّ بلورة رؤية إيجابية لهذا المبدأ ، رؤية واقعية تتماشى مع روح النصوص وخطّ
الأئمة في التاريخ وتتحرّك منسجمة مع النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ كما كشفنا
عنها إلى حدّ الآن.
فنقول : إنّ النظرية المهدوية تطرح
الشرائط العامّة التالية للظهور :
أ. وجود القائد القادر على التصدّي
لزمام هذه الدولة العالمية بما يمتلكه من قابليات وملكات عالية جدّاً ، وكفاءة
قصوى ، وقد تصدّى التخطيط نفسه لحفظ هذا القائد وادخاره لحين توافر الشرائط الأخرى
( الإمام محمّد بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه ) أمّا لِمَ كان هذا الإمام
من زمان غير زمان دولته حتّى يضطرّ إلى الغيبة ترقّباً لتوافر الظروف الملائمة
ولمَ لا يولد في آخر الزمان؟ فقد عالجنا هذا الإشكال في بحثنا حول أبعاد الغيبة.
ب. وجود أطروحة وبرنامج تفصيلي لهذه
الدولة ، ويمثّل الإسلام روح هذه الأطروحة وجوهرها؛ لأنّ رسالة الإسلام هي رسالة
المهدي عقيدة وشريعة ، غير أنّ التطبيق العالمي الشامل يحتاج إلى تعميق الوعي بهذه
الأطروحة وتوسيع رواجها بين الأمم وتجذ ير الإيمان بما تختزنه من حلول لمشاكل
العالم حاضراً ومستقبلاً.
ج. وجود القاعدة الشعبية الملتفّة حول
الإمام ومشروعه العالمي ، ويمكن تقسيم هذه القاعدة إلى خاصّة وعامّة ، الخاصّة هم
الصفوة من أصحاب الإمام وأنصاره والتي عيّنت الروايات عددهم بعدّة أهل بدر ،
والعامّة وهم عموم الأتباع والموالين الذين يزداد عددهم باضطراد مع الانتصارات
التي يحقّقها الإمام ، وركّزت الروايات كثيراً على الخاصّة من أنصار المهدي وعلى
ما يملكونه من إيمان بالهدى والرسالة ، واعتقاد راسخ بهما ، ودرجات عالية من
الإخلاص والتضحية في سبيل الله والمستضعفين ، وعلّقت الروايات ظهور الإمام على
توافر العدد الكامل لهؤلاء الحواريين.
د. تحقّق الظروف السياسية والحضارية
العالمية المناسبة لقيام هذه الدولة ونجاحها في تحقيق العدالة التامّة والسعادة
القصوى لبني البشر.
ويتبيّن لنا أنّ الشروط التي يجب
تحقيقها هي الثاني والثالث والرابع ، مما يعطي لمبدأ