ومن الغريب حقاً أنَّ هؤلاءِ القوم يسمحونَ لأنفسهم بركوبِ هذا النمط من الاستدلال على نحو الاستئثار والاستقلال ، في الوقت الذي لا يَدَعونَ فيه أيَّةَ فرصةٍ من هذا القبيل للطرف الآخر ، لكي يمارسَ منهجَه الاستدلالي على ضوء مبانيه ومرتكزاته الخاصة ، فمن الجائز لديهم الأخذُ بسُنَّة ( الخلفاء الراشدين ) ، بل وضرورة العضِّ عليها بالنواجذ في مختلف الرؤى والأحكام ، اعتماداً على حديثٍ هزيلٍ مروي عن رسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ما فيه من الضعفِ والوهن ، بينما ليسَ من الجائز في وجهة نظرهم أنْ يأخذَ أتباعُ مدرسةِ أهلِ البيت عليهمالسلام بخط أئمتهم ونهجهم ، على الرغم من تواتر الروايات الدالة على وجوب الرجوع إليهم ، وأخذ معالم الدين عنهم.
كما أنَّ من المفترض لديهم أن يؤمنَ الآخرونَ بكلِّ ما وردَ من طرقهم الخاصة ، ويُعدُّونَ الخارجَ عن هذا المنهج الذي سنُّوه خارجاً عن الدين ، وتعاليم شريعةِ سيّد المرسلينَ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بينما لا يرونَ أنَّ من الواجب عليهم الإيمانَ والإذعانَ لما رواه الآخرون بأي شكلٍ كان ، وليسَ في ذلكَ خروجٌ لهم عن الدين.
فالدين الصحيحُ عندهم هو ما يريدونه وما يكتبونه بطريقتهم الخاصة ، وفي ما يعتقدونَه ( صحاحاً ) معصومةً لا تقبلُ الخطأَ والنقاش ، لا ما يعتقدُه ويكتبُه الآخرون!!
إنَّ هذا لوحده كافٍ لدعوتنا إلى التوقف للنظر في منهجهم في التعامل مَعَ أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة ، والتأمُّلِ في أصل الحديث الذي زعموا فيه الإرجاع إلى ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) ، وشيَّدوا على أساسه أُصولَ عقائدهم ، وأُسسَ أحكامهم في مختلفِ الجوانب والمجالات. وقد أفردتُ دراسةً خاصةً تناولتُ خلالها حديثَ ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) بالبحث الشامل والتحليل الموضوعي ، وأُحاولُ هنا أن أبحثَ الحديث بشكلٍ موجز يتناسبُ مع غرض الدراسة الماثلة.