الصحابة ، وإذا كانت بيعة عليّ بن أبي طالب بعد ذلك على رؤوس الملأ ، ولكنّ بعض الصحابة نكث البيعة ، وانجرّ عن ذلك حرب الجمل ، وحرب صفين ، وحرب النهروان ، وزهقت فيها أرواح بريئة ، فكيف يرتاح العُقلاء بعد ذلك لهذه القاعدة التي جُرّبتْ وفشلتْ فشلاً ذريعاً من بدايتها ، وكانتْ وبالاً على المسلمين ، وبالخصوص إذا عرفنا أنّ هؤلاء الذين يقولون بالشورى يختارون الخليفة ، ولا يقدرون بعد ذلك على تبديله أو عزله ، وقد حاول المسلمين جهدهم عزل عثمان فأبى قائلاً : لا أنزع قميصا قمّصنيه اللّه (١)؟!
وممّا يزيدنا نفوراً من هذه النظرية ما نراه اليوم في دول الغرب المتحضّرة ، والتي تزعم الديمقراطية في اختيار رئيس الدولة ، وترى الأحزاب المتعدّدة تتصارع وتتساوم وتتسابق للوصول إلى منصّة الحكم بأيّ ثمن ، وتصرف من أجل ذلك البلايين من الأموال التي تخصّص للدّعاية بكلّ وسائلها ، وتُهدر طاقات كبيرة على حساب المستضعفين من الشعب المسكين الذي قد يكون في أشدّ الحاجة إليها ، وما إن يصل أحدُهم إلى الرئاسة حتى تأخذه العاطفة ، فُيولّي أنصاره وأعضاء حزبه وأصدقاءه وأقاربه في مناصب الوزراء والمسؤوليات العظمى والمراكز المهمّة في الإدارة ، ويبقى الآخرون
__________________
١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٠٥.