فخرج ثمّ أجافه ، عرفنا كذب الزعم بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يصبر عنها (١).
وهذا الاستنتاج ليس استنتاجاً عفوياً ألّفه خيالي ، كلاّ فإنّ له أدلّة في صحاح السنّة ، فقد روى مسلم في صحيحه وغيره من صحاح أهل السُنّة أنّ عمر بن الخطاب قال : لمّا اعتزل نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نساءَهُ ، قال : دخلت المسجد فإذا النّاسُ ينكُتون بالحصَى ويقولون : طلّق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نساءه ، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب.
فقال عمر : فقلتُ : لأعلمنَّ ذلك اليوم ، قال : فدخلت على عائشة فقلتُ : يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تُؤذي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم! فقالت : مالي ومالك يابن الخطّاب عليكَ بعيبتك! قال : فدخلتُ على حفصة بنت عمر فقلت لَها : يا حفصة أقد بلغ من شأنكِ أنْ تُؤذي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم! واللّهِ لقد علمت أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يُحِبّكِ ، ولولا أنَا لطلَّقكِ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبكتْ أشدّ البكاءِ ... الحديث (٢).
إنّ هذه الرواية تدلّنا بوضوح لا يقبلُ الشكّ في أنّ زواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من حفصة بنت عمر لم يكن عن محبّة ، ولكنّه لمصلحة سياسية اقتضتها الظروف.
وممّا يزيدنا يقيناً بصحّة ما ذهبنا إليه في هذا الاستنتاج ، أنّ عمر بن الخطّاب يُقسمُ بالله بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يُحبُّ حفصة ، ويزيدنا عمر يقيناً
____________
(١) صحيح مسلم ٣ : ٦٤ ، ومسند أحمد ٦ : ٢٢١.
(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٨ في باب الايلاء واعتزال النّساء وتخييرهنّ ، وقوله تعالى : ( وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) ، مسند أبي يعلى ١ : ١٥٠ ، صحيح ابن حبان ٩ : ٤٩٦.