على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يستحيل أن يترك دين الله وهو في مهد نشأته إلى الأهواء ، ويترك حفظ الشرع على الآراء من غير أن يوصي بشؤون الدين والدنيا إلى أحد.
وهم أهل الأرض في الطول والعرض كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ، ومعاذ الله أن يترك الوصيّة بعد أن أوصي بها إليه فأمر أمته بها وضيّق عليهم بها.
وقد أوصى رسول الله صلىاللهعليهوآله إلىّ في مبدأ الدعوة الإسلاميّة قبل ظهورها في مكّة حين أنزل الله سبحانه : ( وَأَنْذِرْ عَشـيرَتَكَ الأَقْربـينَ ) (١).
ولم يزل يكرّر وصيّتة لي ويؤكّدها مرّة بعد مرّة بأحاديثه ، حتى أراد وهو محتضر ـ بأبي هو وأُمّي ـ أن يكتب وصيّته لي تأكيداً لعهوده اللفظيّة وتوثيقاً لعرى نصوصه القولية ، فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا ( قال عمر ) : هجر رسول الله ـ معاذ اللّه ـ وعندها علم أنّه لم يبق ـ بعد كلمتهم هذه ـ أثر لذلك الكتاب إلاّ الفتنة ، فقال لهم : قوموا عنّي ، فمات وهو غاضب عليهم; لأنّهم منعوه من كتابة وصيّته واكتفى بعهوده اللفظية ، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا
____________
١ ـ الشعراء : ٢١٤.