لكن أصحاب هذا الرأي الأخير لم يدركوا أن الطريق الذي تبحث فيه مسألة الإمامة ذات منحى عقلي تأملي ، أكثر من كونه استنباطاً لحكم ، أو إقراراً بحلال وتحريم لحرام.
ويرد على سبيل المثال هنا لا الحصر كلام الغزالي في معرض شرحه لموقفه من موضوع الإمامة حيث يقول : « اعلم أن النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثم إنّها مثار للتعصبات والمعرض عن الخوض فيها أسلم من الخائض فيها وإن أصاب ، فكيف إذا أخطأ! ولكن إذا جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ... » (١).
لا يخفى أن المعتقدات شيء والفقهيات شيء آخر ، وللغزالي باع في الأُمور الكلامية التي تصب في فلسفة العقائد ، وربما داخل هاتين الإشارتين نجد مساحة للتحرك ، مفادها أن إقصاء الإمامة عن أُصول العقيدة وإدخالها في باب الفقه ليس في غاية الإحكام ، بل هو مجال لاستمرار البحث فيها ، ولا تلتزم مفردة » اعلم « التي يستخدمها المعلمون المسلمون قديماً كختام أو تمام للفكرة ، وإنّ على المهتم أن لا يعتبر ما جاء هنا هو ذروة الصواب ، بل كما أسلفنا
__________________
١ ـ الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي : ٢٣٤ ، وعنه السبحاني في الملل والنحل ١ : ٢٩٥ ، والواقع أن الكلام حول هذا الأمر كثير في التراث. ويمكن الرجوع إلى آراء المتكلمين المسلمين للتوسع في مفهومهم للإمامة فهناك عدد كبير منهم لم يخرج عن رأي الغزالي كثيراً.