فالدليل ) ، ولمّا لم يأتوا بدليل ، فتبقى جميع مروّيات ابن عباس رضي الله عنه على كثرتها خاضعة لما ذكرته في الجزء الثاني من هذه الحلقة من موجز البيان في ( ميزان بلا عين ) ، فليراجع.
ولو أغمضنا النظر عن ذلك ، فإنّا نطالب الزاعمين بالرجوع إلى إعادة قراءة فاحصة في تاريخ حكم العباسيين الذي إستدام أكثر من خمسمائة سنة ، وهل كانت كلّ عصوره متماثلة في طبيعة الحكم ، ولئن ازدهرت في أيامها الأولى ، لم تكن في آخرياتها كذلك ، يوم خرج الحكم من أيديهم فصار الخلفاء أُسراء تحت رحمة البويهين والسلاجقة ، كما هو ثابت تاريخياً كذلك. فمن ذا يتقرب إليهم بوضع الأخبار في جدّهم؟
ـ ولنقرأ سراعاً بعض تاريخهم بدءاً من المنصور الدوانيقي ، وهو رجل الدولة العباسية الثاني بعد السفاح ومؤسس بنيانها ، وحتى أيام المأمون العباسي ، وإلى المتوكل ذلك الجبّار الناصبي العنيد ، فتلك هي الفترة التي نشطت فيها الحركات الفكرية المتصارعة ، فظهرت أئمة المذاهب الرسمية وغيرها ، وعاش فيها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن من العلماء ، فنجد فيهم من شايع السلطة ، ومنهم من أبى فنأى عن رحابها ، ( وكان من أثر ذلك أنّ جماعة من أعلام العلماء عذّبهم العباسيون لأنّهم أبوا أن يخضعوا لوجهة نظرهم ، والخضوع لسلطانهم كمالك وأبي حنيفة وسفيان الثوري ) (١).
____________________
(١) أنظر ضحى الإسلام ٢ / ١٦٣.